صغيرة في سنوات عمرها كبيرة بهمومها ومعاناتها، في صدرها قلب ليس كقلوب الاطفال بل كقلوب الثكالى، دموع الحزن تملأ عينيها البريئة، تتكلم مختنقة بعبراتها.. هي ليست كباقي الاطفال الذين يمتلكون العاب ودمى ويكافئون بالحلوى والهدايا، ثيابها ممزقة، والعابها من الماء والتراب، للحزن انين في قلبها تعبر عنه عيونها بنظرات تعاتب الجميع، ويحق لتلك العيون العتاب فما جاع فقير الا بما متع به غني، هدوء وصمت في مابيننا وصرت استرق النظر لعيونها واكسر الحواجز التي بيننا، سألتها ولم تجب، فقط نظرت الي بعيون منكسرة، اشعرتني بالخجل من سؤالي عما اذا كانت تمتلك دمية.
لم اسأل كثيرا كعادتي للكتابة عن حال ملابسها... بيتها... وحتى جسدها... تجيب عن اغلب الاسئلة، ولكن لسانها يفصح عن حقوق طفلة ظنت ان لها احلام واماني لن تتحقق، ماذا تتمنين ياصغيرة؟ سؤال ادهشني جوابه؛ اتمنى ان اذهب الى المدرسة واحمل حقيبتي على ظهري كباقي الاطفال، ولكن من اين لي تحقيق ذاك الحلم ونحن نعيش في مكان يبعد كثيرا عن المدرسة ولا املك حقيبة وملابس لأكون في عداد التلاميذ، وهل هذه امنية ام هي حق من حقوق الأطفال، اشفقت على قلبها الصغير واردت ان اغير الموضوع..
ومادمت قد بدأت الاسئلة، سألتها اذا كانت تناولت طعام الفطور، اجابت: لا.. لا اريد انه الخبز والشاي مجددا مثل عشائنا الليلة الماضية وغدائنا وسابقاتها...
شعرت اني اثقل على قلبها واعيد عليه هموم، اكتفت بان ذرفت دموع الصمت، واكتفيت بسيل من الدموع لأواسي دموعها.
لم تكن قصة خيالية ولم تكن مجرد مقدمة لمقال صحفي اكتبه انما واقع وحقيقة لطفلة تعيش في مكان لايصلح للسكن، يصنعون بيتهم من براميل مغطاة بأكياس النايلون لاتقيهم حر الصيف ولابرد الشتاء لا يملكون قوت يومهم، منذ وقت طويل وطعامهم هو الخبز!! يعدها والدها بطعام افضل ولكن ليس بيده حيلة،
خمّن عزيزي القارء من اي البلاد تلك الصغيرة؟!
ان احسّ قلبك وقلت انها من بلد البترول فهي كذلك.
من المسؤول عن حرمان اطفال العراق من ابسط حقوق العيش، احصائيات وارقام مرعبة ان ذكرتها عن اطفال من عوائل تحت خط الفقر لايملكون الغذاء ولا دواء ولا يتوفر لهم التعليم، لا بل لايجدون مأوى للعيش ولا ماء صالح للشرب، من المسؤول وبلدي من اغنى بلاد العالم؟!
دائما مايكون الجواب: هي الحكومة من سرقت اموال الشعب وهذا لايختلف عليه اثنين..
حالة الفقر المزمنة في العراق الغني بالنفط ماهي الا دليل على تبلد مشاعر الدولة ومؤسساتها التي تفتقر الى الثقافة الانسانية وانصرافها عن حقوق المواطن وكرامته المنصوص عليها في الدستور... لكن من المفارقات الساخرة التي تثير الاستفزاز هي هدر الاموال الطائلة على ترف ونفوذ بعض النخب المتنفذة في الدولة... في حين تطلعنا وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية على اخبار عن عجز الحكومة وقلة الميزانية وتعرض علينا صورا محزنة عن عوائل معدمة،
يعيش بعضها حالة من الفقر المدقع وهذا ليس من العدل والانصاف في شيء، اليس الجميع من بلد واحد وحقوقهم واحدة؟
اعداد الفقراء في العراق في تزايد وهم على انواع، واسباب فقرهم مختلفة، تشخيصهم لايحتاج الى التنقيب فمظاهر الفقر منتشرة ويمكن الاستدلال عليها من خلال المشاهد التي نراها ونعيشها يوميا وبصورة حية في الشوارع المليئة بجيوش الباعة الاطفال والمتسولات والمتسولين، اما شريحة الفقراء المتعففين التي لاتجاهر بطلب رزقها ولاتمد يدها للمارة في الطرقات محتفظة بماء وجهها فهي تمضي حياتها في صمت وذل بعيدا عن الاضواء وتعيش على الكفاف من الرزق ويصل تعداد هذه الشريحة الى الملايين وغالبا ماتتوقف مصادر رزقها على الاعانات القليلة التي تقدمها الرعاية الاجتماعية او زج اطفالهم للعمل من اجل لقمة العيش، معاناة الاطفال كثيرة وكبيرة في العراق فبالإضافة الى هؤلاء الفقراء، اضيف النازحين الذين اصبحوا يفتقرون لكل شيء بعد ان شهد العراق اكبر موجة نزوح في تاريخه حيث بلغ عدد النازحين مايزيد على ثلاث ملايين غالبيتهم من النساء والاطفال يعيشون في ظروف مأساوية ويفترش بعضهم الطرقات ويتخذون من هياكل البنايات والمخيمات مأوى لهم، ووفق المؤشرات كان اطفال النازحين في مقدمة من شمله الفقر في البلاد واكثرهم تأثّرا من حيث افتقادهم لكل مقومات العيش والرعاية الضرورية التي كانوا يتمتعون بها قبل تهجيرهم من مناطقهم.
ولا ننسى ايتام اولائك الذين ضحوا بأرواحهم وتركوا النساء والاطفال يقاسون مرارة العيش وصعوبة الحياة وكثيرا منهم يفتقرون لأبسط الاشياء في العراق،
جميع اطفال العراق فقراء بلا استثناء!!! يفتقرون لحقوق الاطفال ولكنهم على درجات فهناك من يفتقر للأمان وهناك من يفتقر للتعليم وهناك من يفتقر للسكن وهناك من يفتقر لهن جميعا...
( اللهم انا نشكوا اليك فقد نبينا وغيبة ولينا وكثرة عدونا وقلة عددنا و شدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا).
اضافةتعليق
التعليقات