إن لمن الأمور التي فُطر عليها كل إنسان هو حبه للحياة التي تميل إلى البساطة لا التعقيد، وأن يُعامل باللين لا الغلظة، بل حتى عندما يكون هو غليظ القلب، غضوب لأي سبب كان لا يكون راضيًا عن نفسه؛ فهذا السلوك ليس مما جُبلت عليها نفسه.
بالنتيجة فإن سمة الرفق هي مرتكز مهم جدًا في شخصية الإنسان السوي، وهي أسلوب أصيل في كل جنبات حياته، كما سيتبين بتتبع بعض ما ورد عن رسول الرحمة (صلى الله عليه وآله).
الرفق سمة في الذات الإنسانية
قال (صلى الله عليه وآله): "من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة"(١)، فهي كما قلنا-عطاء إلهي- أي غرس بفطرة الإنسان ولكل إنسان نصيبه منه بمقدار ما ينميها ويستعملها كخلق إنساني.
فالرفق يجعل الإنسان حَسن ذاتًا ومُحْسِنًا سلوكًا، كما قال (صلى الله عليه وآله): "لو كان الرفق خلقًا يُرى ما كان مما خلق الله شيء أحسن منه" (١).
بل وهو مقياس توازن الشخصية بعدم الوقوع بالإفراط أو التفريط فتبنى بناءً سويًا، فالرفق هو الذي يوازن بين أن يكون الانسان شديداً أو ليناً كلاً في محله، كما قال عنه (صلى الله عليه وآله): "ما كان الرفق في شيء إلا زانه" (١).
الرفق في التعامل مع الدين
وعنه (صلى الله عليه وآله): "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى"(٢)، في هذا الحديث تنبيه مهم لكن مؤمن أن يبدأ بنفسه بالرفق بها بما يخص علاقتها بربها.
فلكل إنسان مستوى معين في فهم الدين الذي كما وصفه الرسول الأعظم بأنه "عميق"، فحتى من يفهم شيء منه قد لا يكون مستعداً نفسيًا لتطبيقه ابتداء، فعليه أن يسير سيرا موافقا لقدراته وقابلياته وسعته.
وكما إنه لابد أن يكون الرفق حاضرًا في نظرتنا وتقييمنا لعلاقتنا الشخصية بديننا، لابد أن يتحقق فيما يتعلق بتدين الآخرين، إذ إن التعامل أو النظر لمستوى تدين الآخرين، ومقايسة تدين أحدهم بتديننا الشخصي ليس أمر صحيح.
فمن يكون مثلاً بنظرتنا إنه أقل تديننا ليس من الرفق أن يُنظر إليه بنظرة وكأنه خارج عن الدين، فلعل هذه النظرة تجعله ممن يرى نفسه لا شيء، أو ليس من أهل الدين، فيتراجع في تدينه، ويستيأس من احتمالية قدرته على النجاح في السير قدمًا في تدينه، فلا نكون ممن أعانه ليرقى ولا ممن شجعه ليبقى.
الرفق التربوي في الأسرة
وعنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "إذا أراد الله بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم باب رفق"(١)، فلكي تبقى أواصر الترابط بين أفراد أهل البيت الواحد قوية، لابد أن لا يخلو من الرفق، أي أن تكون سمة الاحتواء لا التنفير هي الغالبة، اللين لا الشدة.
فالغلظة في التعامل خاصة مع حصول أخطاء من أي فرد، بحيث يُصور للفرد المخطئ أنه شخص غير محبوب أو إنه أدنى من غيره ممن لم يرتكب ما ارتكب، فهذا فيه جنبة من الاستعلاء والتكبر بين أفراد البيت الواحد!.
فالرفق يربي النفس إن لكل فرد نقاط ضعفه ومواضع يخطئ بها ليس بالضرورة أن يقع بها الآخر، فكما يُحب أحدنا أن يُرفق به في مواطن ضعفه وخطئه، عليه أن يكون ذلك الرفيق مع غيره.
كذلك الرفق يحقق التواضع في التعامل مع بعضهم البعض في الاعتذار عند الخطأ، كذلك عدم الاستنكاف في مساعدة وقضاء حاجة أي فرد منهم، ونفع بعضهم البعض الآخر.
الرفق في العلاقات الاجتماعية
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال: [ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا وأحبهما إلى الله عز وجل أرفقهما بصاحبه](١)، فلا دوام لصحبة دون وجود هذه السمة، فلابد أن تكون هناك حالة من المسابقة والمسارعة في الرفق بين بعضهم البعض، كي تدوم تلك الصحبة وتتعمق، فيتواضع بعضهم لبعض، وينفع بعضهم البعض، ويلين ويسامح بعضهم البعض.
الرفق في شخصية القائد
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): [الرفق رأس الحكمة، اللهم من ولي شيئًا من أمور أمتي فرفق بهم فارفق به، ومن شق عليهم فأشقق عليه](٣). فالقائد هو المسؤول عن المجتمع، عن مقدراتهم وشؤونهم، عن الضعيف فيهم والمتمرد، لذا احتياجه للرفق أمر مسلم.
أي بمعنى التواضع لهم، فلا يبخسهم حقهم لأن مقدراتهم بيده، ويُنصِف ولا يظلم أي ضعيف منهم، لا يستنكف ويتكبر أن يسمع مطالبهم، بل يهتم ويسعى في توفير ما يحتاجون إليه، يكون خادمًا لهم، ومفتاح تحقيق ذلك بالرفق أي التواضع لهم.
اضافةتعليق
التعليقات