انتصار ياس خضير السعداوي ولدت عام 1960 في أحد بيوتات قضاء الهندية (طويريج) ضمن عدد من الاخوة والاخوات، كان والدها رادودا حسينيا تشربت من مدينتها الممتدة على نهر الفرات الكرم والعفة والاصالة والشموخ.
انتمت لعائلة مناضلة قارعت الظلم والجبروت والقيود التي قيدت الحريات في التعبير عن الرأي وكان الثمن الاخت الشهيدة (رضية) الشابة صاحبه الأربع وعشرين عاما التي لم يعثر على قبرها ليومنا هذا والشهيد (محمد) شقيقها الذي حدثتني عنه ذات مرة بأن والدتها لم تكن تريد تصديق خبر وفاة ابنها وكانت تتأمل بأنه سيطرق ذات ليلة باب حجرتها ويدخل عليها فيعانقها عناقا يزيل آلام فراق بعد كل هذه السنين إلا ان محمد لم يعدْ ولكنهم وجدوه قد مات غدرا وظلما ودفن بقبر غريب عنه، ورحلت أمي عن الدنيا واتمنى ان تلتقي به هناك في العالم الآخر.. اكملت (انتصار) حياتها ودرست وتخرجت من المعهد التقني وتزوجت واصبحت اما لثلاث فتيات وصبي واحد ودرست ايضا في معهد المعلمات، كانت محبة للحرية والتعبير عن الرأي إلا ان ملاحقة ازلام النظام البائد لها ولعائلتها كان عائقا في طريق طموحاتها حتى انها اضطرت ان تترك دراستها لمدة عام لما لحقتها من ويلات وظلم جلاوزة النظام المقبور لها وبالاخص لاخيها الاكبر منها (ساطع) وما ان انتهى عهد الظلم والجبروت كانت (انتصار) قلما شامخا وبارزا بين اقلام كربلاء فقد انار قلمها العديد من التحقيقات والمقالات الادبية والبحوث وكانت صوت المرأة الكربلائية البارز من خلال تحقيقاتها وقد نشرت في العديد من الجرائد، المجلات والوكالات المحلية.
وذات يوم وبينهما هي منهمكة في تحقيق صحفي عن المرض الذي فتك بالعديد من النساء بسبب الجهل وعدم الخضوع الى فحوصات دورية واكتشاف المرض في بدايته ألا وهو (سرطان الثدي) وبعد اتمام الموضوع بادرت باجراء فحوصات خاصة بها وكانت المفاجئة بانتظارها وتأكدت بانها مصابة بهذا المرض اللعين وبدأت رحلة العلاج وتم استئصال العضو المصاب وخضعت للعلاج الكيمياوي وكانت عيون محبيها تذرف الدمع لهذه الانسانة الشامخة المناضلة المكافحة ووقفوا لها موقف احترام لبطولتها وصبرها فكانت تحارب وتقاوم المرض بتفاؤل..
كلمتني احدى بناتها عن مرحلة العلاج؛ لم نكن نعلم في بادئ الامر بمرضها وكانت تجري الفحوصات بهدوء وسكينة وكان بيتنا ممتلئ بالمحبة والطمأنينة فلم نلمس منها يأسا اوضعفا حتى موعد العملية وكانت مفاجئة لنا حين كانت أمي مريضة ولم نلحظ ذلك، نراها مبتسمة مشعة بالحياة، اجريت العملية وبدأت مرحلة العلاج الكيميائي وعند اول سقوط خصلة من شعرها قامت أمي بقص شعرها مبتسمة بقولها "استغني عنه بمحض ارادتي دون تركه ايايً غصبا عني!!" لم أرَها تبكي من الألم لكنني اسمع انينها ليلا وتستيقظ قوية الارادة محبة للحياة لتكمل رسالتها كأم لي ولاخوتي واخي تأخذنا الى السوق والمطاعم وتعيشنا باجواء طبيعية برغم الالم الذي يتعصر بداخلها..
الحمد لله عادت ام منتظر لحياتها وقلمها وزملائها ومحبيها اقوى من السابق بالعزيمة والاصرار والإيمان فكانت بحق امرأة عراقية ذات صلابة وارادة أنموذجا يحتذى بها كأم وأديبة ومثقفة، فهذه الاسطر القلائل التي ذكرناها ما هي الا فيض من غيض واعترافأ وامتنانا للكاتبة والاديبة (انتصار السعداوي) فهي أنموذجا يشار لها بالبنان في المجتمع الكربلائي وقدوة لكثير من النساء لتحتذي بشجاعتها وتضحيتها لاكمال رسالتها دامتْ قلما نابضا لكل النساء العراقيات بالعموم والكربلائيات بالخصوص.
اضافةتعليق
التعليقات