يثير طول ساعات الصيام في دول أوربية جدلاً واسعاً، وتتخوف هذه الدول من تأثير هذه الممارسة الدينية على إنتاجية العمل، خاصة ان عدد ساعات الصيام يصل الى قرابة 19ساعة يومياً في دولة بريطانيا ويزيد عن 20 ساعة يوميا في الدول الأسكندنافية مثل السويد والنرويج.
وكان آخر جدال وشغل الرأي العام هو المقال المنشور في صحيفة "بي تي" بتاريخ 2018/5/21 لوزيرة الدنمارك إنغر ستويبرغ، والمعروفة بمواقفها المعادية للمهاجرين تطلب فيها من الصائمين بأخذ إجازات من العمل خلال فترة الصوم في شهر رمضان.
واعتبرت الوزيرة إنغر ستويبرغ، العضو في الحزب الليبرالي، اليوم الاثنين، أن الامتناع عن الأكل والشرب خلال هذه الفترة يشكل "خطرا علينا جميعا".
وفي مقال لها في صحيفة "بي تي" كتبت ستويبرغ: "أدعو المسلمين إلى أخذ إجازة من العمل خلال شهر رمضان لتفادي التداعيات السلبية على بقية المجتمع الدنماركي".
وتابعت: "أتساءل ما إذا كان فرض ديني كركن من أركان الإسلام عمره 1400 عام يتوافق مع المجتمع وسوق العمل في الدنمارك في عام 2018".
وكتبت الوزيرة في مقالها أنها تخشى من أن يؤثر الصوم على "السلامة والإنتاجية"، وضربت مثالا على ذلك حالة سائق حافلة "لم يأكل أو يشرب منذ أكثر من 10 ساعات".
وقالت ستويبرغ "قد يشكل ذلك خطرا علينا جميعا".
وكانت الوزيرة أثارت العام الماضي جدلا بنشرها على "فيسبوك" صورة لها مبتسمة وهي تحمل قطعة حلوى احتفالا بالتدبير رقم 50 لتشديد قوانين الهجرة.
ودخل أحد أشد تلك التدابير حيز التنفيذ في 2016، ما يسمح للشرطة بضبط المقتنيات الثمينة للمهاجرين، باستثناء خواتم الزواج والخطوبة بعد موجة إدانات دولية وتشبيه التدابير بممارسات ألمانيا النازية.
وفي 2015 أثارت ستويبرغ موجة انتقادات عبر نشرها مجموعة من الإعلانات في صحف لبنانية حذرت فيها المهاجرين المحتملين من صعوبة الحصول على لجوء في الدنمارك.
وشددت الدانمارك خلال 15 سنة سياساتها المتعلقة بالهجرة، بفرض تعلم المهاجرين عادات البلاد ولغتها لضمان تكيّفهم مع سوق العمل.
ان الاعتقاد السائد بأن المسلمين عندما يصومون يقبلون على أعمالهم ببطء ولايوجد لديهم دافع قوي للعمل والانتاج فلابد ان تلغى هذه الفريضة في نظرهم.
وهذا أعتقاد خاطئ، فالصيام لايدعو الى التكاسل والتواكل كما يدعي البعض، بل يدعو الى العمل وزيادة الأنتاح.
وان سبب الأعياء والأرهاق ليس راجعاً الى الصوم بحد ذاته بل نتيجة السلوك والعادات الخاطئة من الصائمين الذين خالفو هدى الرسول والطريقة الصحية للأفطار والسحور ولم يحصل كل منهم على الوقت الكافي للنوم، ولأنهم لم ينتفعوا برمضان، ولم يستفيدو بما فيه من صيام وقيام فجعلوا ليله للبطن والمعدة والسهر ولايأخذون قسطا كافياً من النوم - فتجدهم لذلك متعبين أثناء النهار، ومن هنا يقل أنتاجهم ويقبلون على اعمالهم ببطء وتثاقل، وربما يعتذرون بأنهم صائمون، قد يكون هناك تأثير على النشاط كما يزعمون فإن ذلك لايكون أول النهار، بل يكون في فترة متأخرة منه.
لقد ثبت أن للصوم فوائد كثيرة صحية وروحية وأجتماعية وتربوية، فهو يجدد النشاط البدني ويطيل فترة الشباب حيث يحافظ على صحة الشرايين في الجسم، ويقلل مستوى السكر في الدم وكذلك يُعيد الجهاز الهضمي ويمنحه فرصة من الراحة والأستجمام.
قال الله في كتابه الكريم: (ياأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على غيركم لعلكم تتقون) البقرة آية (123).
ولاتزال هناك من الديانات حتى يومنا هذا مايعرف بشعيرة الصوم مع الفارق الكبير بين الصوم في الأسلام وفي هذه الديانات.
- وقد فرضت التوارة الصيام على اليهود وكان نبي الله موسى عليه السلام يصوم أربعين يوما في العام.
وكذلك عرفت المسيحية الصوم، وهي الأمتناع عن أكل لحم الحيوان وكل مايتولد أو يستخرج من أصله، بل أن الديانات الوضعية والحضارات القديمة عرفت الصوم كوسيلة للتقرب الى الألهة، وعرفته وسيلة للتطهير، والسمو بالنفس.
لكن الأسلام جاء بالصوم وقد نقاه من كل شائبة وجعلهُ سموا للجسد والروح بعد أن كان تعذيباٌ للنفس وسعياً لفِنائها.
لذلك هذه الحملات التي تثير الجدل بين فترة وأخرى وخاصة عند حلول شهر رمضان المبارك حملة باطلة وهدفها التشكيك بما جاء في كتاب الله والتقليل من ثبات المسلم.
لقد ربط الله التعب ومشقة الصوم بأجر الآخرة ولشهر رمضان اجر عظيم عند الله، وهو ماعناه
النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" في قوله: (من صام رمضان أيماناً وأحتساباُ غفر له ما تقدم من ذنبه).
إن كلمتي إيماناُ وأحتساباً تعنيان جهداً لايستعجل أجره ولايطلب اليوم ثمنه، لأن باذلهُ حين بذله قرر أن يجعله ضمن مدخراته عند ربه، نازلاً عند قوله تعالى: (ذلك اليوم الحق فمن شاء أتخذ إلى ربه مآبا) (39) سورة النبأ.
اضافةتعليق
التعليقات