في ظل الظروف القاسية التي يعيشها البلد نلاحظ تراجعا في الاقتصاد الوطني إضافة إلى ضعف الجانب التنموي والتربوي، فيما هنالك أسباب عديدة ساهمت في هذا التردي وخلقت جواً من الظروف الصعبة من أبرزها الوضع الأمني وحقبة الإرهاب الذي أدى إلى تراجع البلد في مختلف مجالاته.
ولم يتوقف هذا التراجع على الجوانب الاقتصادية والأمنية فقط، بل إستمر ليصل إلى الجانب العلمي، فمنذ سنوات نلاحظ تراجعا في مستوى الطالب الدراسي، ولنظرة واقعية أكثر في تلخيص الواقع الجامعي والعوامل أو الأسباب التي تساهم في تدني مستوى الطالب الدراسي. تجولت (بشرى حياة) على الطلبة لتقف على الأسباب التي ساهمت في انخفاض المستوى العلمي والتحصيل الدراسي.
الطلبة وآراؤهم
البداية كانت مع الطالب مصطفى محمد في السادس العلمي الذي صرح قائلا: "بنظرتي العلمية والدراسية إن من أراد تدمير دولة فليبدأ بالتعليم، والتعليم في وقتنا الحاضر يتدمر تدميرا ذاتيا بسبب ما نمر به من عدم توفير فرص عمل للخريجين، تسلب إرادة الطالب في أن يطمح لنيل الشهادات العليا، بل سيبذل قصارى جهده من أجل تعلم مهنة خاصة، يستطيع من خلالها كسب رزقه، والظروف العائلية والشخصية تلعب دورا كبيرا في تراجع مستوى الطالب العلمي، كما إن الوضع المعيشي للطالب يجبره على العمل والدراسة في ان واحد، وهذا سيؤثر سلبا على مستواه العلمي، لأنه لن يجد الوقت الكافي لتقسيم نهاره بين العمل والدراسة".
من جهته قال محمد شاكر الطالب في السادس الإحيائي ان "السبب هو المدارس الأهلية التي تم افتتاحها مؤخرا وبعدد هائل، علما انها مؤسسة من قبل أناس تدير شبكة تعليمية موجودة كالإخطبوط ان صح التعبير في الملازم والمعاهد التدريسية والجامعات الأهلية والمكاتب ومواقع التواصل".
وتابع قائلا "لكوني طالب اجد شخصا واحدا يدير عدة اماكن تربوية وهو لا يستحق كلمة تربوي ويربي جيلا، هذا جانب، اما جانب شراء الأسئلة بأموال بخسة وتجارة في النجاح والرسوب حديث يعمق الجراح وتطول له الكلمات ولا ينتهي، وان طرحنا هنا كل أسبابنا لن نجد الحل الذي يروي الرمق".
فيما قالت نورس كريم طالبة معهد: "الحمل الأكبر يقع على الطالب نفسه، فهناك البعض من الطلاب يتهاونون في حضور المحاضرات المهمة، ولن يعيروا أي اهتمام مبالغ بالمناهج الدراسية، وبرأيي عمل الطالب ليس سببا مقنعا لتهاونه في الدراسة، فالشخص المثابر والطموح يستطيع التوفيق بين دراسته وعمله".
بينما قالت سارة احمد طالبة جامعية: "أصبح طلب العلم والسعي فيه مجرد الحصول على وثائق تخرج من المؤسسة التعليمية لكي يحصل بها على وظيفة سواء تناسبه او لا".
واضافت: "وهناك طرق التعليم والتدريس المتدنية المتبعة حالياً ضمن أهم الأسباب والتي تركز على الدرجات وليس على التحصيل العلمي .
وأضافت: إن وسائل التعليم أو انعدامها كالمختبرات وقلة المواد فيها أو حتى القاعات الدراسية الملائمة فهو سبب آخر أدى مع مجموعة عوامل ساهمت بشدة في تردي التحصيل الدراسي للطلبة حيث تترتب عليه أسباب كثيرة لكنها وللأسف بدون حل وهذا يعود لما نمر به من ظروف حربية قاهرة ومستمرة".
وأوضحت الطالبة الجامعية حوراء فاضل حسين: "إن تردي التحصيل العلمي للطالب لم يندلع من 2003 ولا بعدها هذه عبارة عن مرحلة وهي نتيجة ثمار لسنوات من الحكم الدكتاتوري كبت الشعب وما يحصل اليوم هو عبارة عن تحصيل حاصل لما حدث مابين فترة قبل 2003 ليومنا هذا".
مبينة بقولها "ان هذا ساهم بشكل لافت على هدم البنى التحتية والنفسية والمادية وقضت على الصفات الإنسانية لدى المواطن العراقي، أما التعليم المتردي أيضا تحصيل حاصل لتلك الفترة، أما نتيجة تلك الفترة هي انعدام الرغبة بالتعليم حيث أصبح التعليم وسيلة لا غاية، وللأهل دور فعال في هذا من خلال تشجيعه حيث تتردد عبارات ادرس لتكون محاميا ادرس لتكون طبيبا ادرس لتكون مهندسا..الخ، ليس هناك من يقول ادرس لتتعلم فأن المعرفة بحد ذاتها مصباح يضيء عتمة الظلام".
وشاركنا برأيه الأستاذ الجامعي احمد باقر الشريفي قائلا: "إن تردي المستوى العلمي والتربوي في العراق مشكلة عويصة وكبيرة لا يمكن حلها بسهولة لأنها ترتكز على مقومات عديدة فالحكومة أو وزارة التعليم العالي تتحمل الجزء الأكبر منها وكذلك الطالب والمنهج وأولياء أمور الطلبة يتحملون الجزء الاخر".
وأضاف: "إن سوء التخطيط وعدم وجود إستراتيجية تعليمية دقيقة وواضحة من قبل الحكومة أدت إلى تدهور التعليم وتدنيه بشكل مخيف ينذر بكارثة وطنية تحتاج من الجميع الوقوف أمامها بجدية، وابسط مثال على عدم التخطيط هو كثرة الأقسام الإنسانية مقارنة بالأقسام العلمية البحتة وكذلك لم تطرأ على التعليم في العراق أي إصلاحات تذكر فالمناهج لا تتواكب مع المتغيرات العصرية التي تأخذ بها الدول المتقدمة".
وتابع الشريفي: "إننا نلاحظ عشوائية القرارات والترقيات وخضوعها للعلاقات الشخصية دون النظر إلى الكفاءات والمؤهلات العلمية وضعف الرقابة على الجامعات خصوصا الأهلية وعدم قدرة الوزارة على فرض أي عقوبة على مرتكبي الأخطاء والمقصرين من الهيئات التدريسية.
ومن جانب آخر فإن تدني الناحية العلمية من الأستاذ سبب رئيسي لتدني المستوى العلمي فأكثر الأساتذة في جامعاتنا يستخدمون أساليب تقليدية في التدريس ولا تتوفر التقنيات والأجهزة والمختبرات الحديثة، وأيضا هجرة الكفاءات العلمية إلى خارج الوطن بسبب انعدام الأمن وعدم الكفاية المادية في مؤسسات التعليم"
ختم حديثه: "إن للطالب جانب أيضا في هذا التدني، فنلاحظ اغلب الطلبة لهم اهتمامات ثانوية تغلب على اهتمامهم بالتعليم فهمهم الأول الحصول على الشهادة كيفما اتفق دون التفاعل مع الأستاذ والمنهج ناهيك عن عدم قراءة أي كتاب لزيادة الثقافة والمعرفة".
فيما قال الدكتور عمران كاظم الكركوشي/ دكتوراه في الإعلام الدولي في جامعة كربلاء/ كلية العلوم السياحية: "إن العامل السياسي من أهم وأول أسباب التردي العلمي والتربوي في العراق، وخاصة عندما تعتبر المؤسسة التعليمية والتربوية مجالا من مجالات الهيمنة والسيطرة على الرأي العام والكسب الانتخابي، ويعد أيضا التردي الاقتصادي وضعف البنى التحتية وانهيار الخدمات وعدم التوازن بين متطلبات الزيادة السكانية وعدد المؤسسات التعليمية اللازمة من ضمن الأسباب".
وأضاف: "إن الاختراق الإعلامي والصراع الإقليمي على الساحة العراقية أدى إلى تشويه الاتجاهات التربوية والعلمية في العراق، وتزايد هيمنة التقنيات وأدوات السيطرة الإعلامية والاتصالية مما أدى إلى استلاب الفرد المتعلم والسيطرة عليه والحيازة على وقته وجهوده".
وتابع الكركوشي قائلا: "يعد الصراع الثقافي بين القيم التقليدية والقيم المعاصرة وضعف عملة التدريب للملاكات العاملة في النسق التربوي ضمن أسباب انخفاض المستوى، وأيضا ضعف عملية المراقبة والتقييم والتقويم وترحيل المشاكل إلى خارج النسق العلمي".
وأكد: "إن عدم الترويج للمنتجات والمخرجات التربوية واعتبار الشهادة أو التحصيل العلمي في مؤخرة شروط التقييم والفاعلية البشرية في الإدارة الدولية وتقديم الولاء السياسي والعشائري والقبلي على الولاء الأكاديمي والعلمي هو من يجعل الطالب لا يسعى إلى أن يرتقي بمستواه العلمي وذلك بسبب الاندماج التام بين العلم والقيمة ما جعل المنتج العلمي لا قيمة له إلا إذا ارتبط بقيم خارجية كالدين والعرف والتحصيل المالي والوظيفي".
ختم حديثه: "إن الصراع الداخلي الذي جعل من الأمن العامل الحاسم في تأزم الطموحات وبالتالي تحويل الأمة إلى أمة محاربة ومدافعة وليس امة بانية، وهو نظام خاضع لمصالح القوى العظمى وبالتالي لا يمكن عزل العملية التعليمية بكل مستوياتها من هذا الصراع وهذا كله يصب في أسباب انخفاض المستوى العلمي والتحصيل الدراسي للطلبة لكنها أسباب للأسف بدون حلول".
وبعد جمع الآراء التي تم نقلها وهي تمثل آراء من أدلى بها وليس بالضرورة تبنيها من قبل موقع (بشرى حياة) إلا أنها آراء محترمة ونتمنى الأخذ بها من أصحاب القرار.
اضافةتعليق
التعليقات