تُعتَبر الأُسرة أهم كيان في المجتمع الإنساني بل هي أساس المجتمع الذي يتألف من عدد من الأُسَر؛ وبهذا فإن سلامة هذا المكون الخطير وإرتقائها يعني سلامة المجتمع كله وارتقائه كما أن إنحطاط الأسرة وانهيارها معناه إنحطاط مجتمع وانهياره، ومن ناحية أُخرى فإن الأُسرة هي ناقل للآراء وأسلوب التربية ونمط الحياة والمعيشة الذي من شأنهِ أن يسهم في بناء المجتمع للأجيال القادمة ويمكن تشبيه الأسرة بمكان لتنمية الإبداعات والقدرات ومهدٍ لتعالي الجيل الإنساني وتقدمه ما يبين أهمية هذهِ المؤسسة وضرورة العمل على سلامتها وتعاليها.
ولا ريب في أن للبناء الفكري لدى الفرد ومعتقداته تاثيرًا كبيرًا في اختيار نمط الحياة وأسلوب تعامله وتعاطيه مع روابطه وعلاقاته بشكل كامل وعلى الرغم من أنهُ لا يسعنا إنكار أهمية الأسرة إلا أن المدارس والحوارات المتنوعة تختلف في تعريفها للأسرة وكيفية المحافظة عليها والقوانين الخاصة بها وذلك الإختلاف مبادئ تلك المدارس وأصولها والحقيقة ثمة فارق كبير وواضح بين النظرة الدينية إلى الأسرة والحياة من جهة وبين النظرة الغربية فالمدارس الدينية ولا سيما الدين الإسلامي تؤكد على أن لخلقة الإنسان هدفًا ساميًا وبالإستناد إلى ذلك الهدف السامي فإن الإنسان بحاجة إلى الهداية والقيادة من مصدر أسمى وأعلى من البشر لإدارة جميع شؤونه ومنها محيط الأسرة وقد أكد الإسلام على أهمية الأسرة، وبالنظر إلى بُعدي الإنسان فقد ركز الإسلام أيضًا على حاجته المادية والمعنوية ووضعَها بالإعتبار كما سن قوانين وأحكام خاصة لأجل تعالي الفرد والأسرة وتطورهما.
أما المدارس غير الذهنية وخصوصًا المدرسة الليبرالية الحديثة فترى أن وجود الإنسان يتلخص في هذهِ الدنيا وحسب أنه هو محور الوجود كله وأن عقله هو الهادي والقائد له في جميع الأمور وبالإستناد إلى هذهِ المدارس فإن الأصالة تتمثل في الفرد نفسه، وعليه فإنه لابد من وضع مطالباته وحاجاته على رأس اللائحة وكان لنا فيما يتعلق بهذا الموضوع نظرة موجزة إلى المبادئ النظرية والفكرية كما بينا بعضا من الفروق في هذا الشأن لتوضيح كيفية معالجة المسائل العائلية والتعامل معها وسبل حل تلك المسائل وأحكام أُسس الأسرة وتثبيت أركانها.
إن من الأمور التي ينبغي التركيز عليها في المسائل الأسرية أكثر من غيرها هي أنه لا يمكن الإهتمام بالحقوق والوظائف فقط داخل الأسرة بل ولا يمكن تعيين حدود واضحة وقواعد معينة بين الحقوق والأخلاق في هذا المجال وبناء على ذلك فإن موضوع الأخلاق وموضوع الحقوق مرتبطان ببعضهما إلى حد كبير يصعب فصلهما.
وبشكل عام فإن كل فرد يعرف وظائفه وواجباته في كل مجموعة أو نظام أو مؤسسة وهو قادر على أداء تلك الوظائف على النحو المطلوب وعندئذٍ يمكنها أن نتوقع النجاح والنتيجة الطيبة من تلك المجموعة أو النظام أو المؤسسة ومن هنا فقد أولى الإسلام إهتمامًا كبيرًا بالوظائف والواجبات والتوصيات الخاصة بها كما بين مسؤولية كل فرد من الأفراد بشكل دقيق.
وقد حدد الإسلام وظيفة الرجل بإدارة شؤون الأسرة وتقديم النفقة والمضاجعة للتمتع، والبيتوتة ومن ناحية أخرى عَينَ الإسلام مسؤولية المرأة في التمكين العام والتمكين الخاص كما أوجب على كل من الأب والأم مسؤوليات ووظائف مهمة تجاه أبنائهما مثل التربية الصحيحة والعاطفة والمحبة ومراعاة العدالة بينهم والحضانة والنفقة وفي مقابل ذلك فإن على الأبناء الإحسان إلى الوالدين والدعاء و الإستغفار لهما، كما أكد على الأسرة عمومًا العمل على تنظيم علاقتهما بالأقارب من خلال صلة الرحم ومهما يكن من أمر فإنهُ لابد من التذكير بأن الأسرة ليست مؤسسة حقيقية بحتة بل هي مؤسسة قائمة على المبادئ الأخلاقية والعواطف الإنسانية والمشاعر الرقيقة.
فكثير من الإختلالات الأسرية والخلافات والمشاكل التي تحدث داخل الأسرة ناجمة عن تجاهل هذهِ الأمور وعدم الإلتفات إليها ولهذا أكدت التوصيات الدينية على هذا الموضوع من أجل تثبيت أركان الأسرة وتحكيم قواعدها وعلى الرغم من أهمية المسائل الحقوقية داخل الأسرة وخطورتها إلا أن ضمان تطبيق تلك الحقوق مرهون إلى حد كبير بالإلتزام بالمبادئ الأخلاقية.
ومعنى ذلك أنهُ لا مفر من التهرب من الحقوق أو القانون دون تحكيم الأخلاق، والحقيقة أن السبب الرئيسي للجوء إلى تطبيق الأصول الحقوقية و الإستعانة بالقوانين الأسرية هو عدم الإلتزام بالمبادئ الإنسانية والأخلاقية أما الأصل المهم والمبدأ الرئيس في الأخلاق فهو الإيمان بالله سبحانهُ الذي يضمن تطبيق جميع الأصول الأخلاقية والحقوقية في آنٍ واحد وكذلك النية جادة في العمل بالمسؤوليات والوظائف فالإيمان بالله تعالى يضع الفرد في مسار صحيح في الحياة ويحول دون إنحرافه وجَنفه عن الصراط المستقيم أو زلاته في مواقف كثيرة فالعديد من الصفات الحميدة كالآثار والصدق ورعاية حقوق الآخرين والأمانة والصبر وكثير من الصفات المتشابهة يتحقق في ظل الإيمان والمعنويات، كما أن العديد من الصفات المذمومة وغير الحميدة مثل الكذب والخيانة والضرب والشتم والتجسس على الآخرين وتدخل غير المطلوب تنجم عن ضعف الإيمان لدى الفرد.
وإلى جانب بيان مبادئ الأصول الكفيلة بتثبيتها أركان الأسرة وتحكيم قواعدها وتوضيح وظائف الأفراد ومسؤولياتهم فقد وضع الشارع المقدس عددا من السبل والوسائل التي تمنع الإختلاف والفرقة.
فالإختلاف الذي يقع بين شخصين أو ثقافتين يصعب تجاوزه لكن ثمة طُرق يمكنها منع تعاظم الخلافات ووقوع الأضرار، ومن تلك الطرق المداراة والإحترام المتبادل والصبر والحلم فمثل هذهِ الأصول يمكنها التخفيف من حدة الخلافات داخل الأسرة والمساعدة على إظهار تأثيراتها الشديدة.
اضافةتعليق
التعليقات