أحيانا أفكر ماذا يحدث لو عشنا لا أباليين في هذا العالم؟
نسير هكذا في طريقنا وننشغل بأنفسنا بعيدًا عن كل المؤثّرات التي تحيط بنا فندخل في حالة استرخاء كمن يهيم بالخضوع لتنويم مغناطيسي، ترى هل نحن نائمون؟
أثار هذا الجدل في فكري، موقف رأيته البارحة في الشارع لرجل بدأ على حين غفلة بسحب فتاة لم تتجاوز السادسة من ضفيرتها التي تجاوزت الكتف بقليل، جرّها لمسافة تخطّت المعقول والصغيرة تتلوّى من الوجع لا حول لها ولا قوّة، بينما كنت أفكّر هل يجب أن نتدخّل نحن المارّة أم لا؟ وبين مستنكر بنظراته وآخر هامس لنفسه قمتُ من مكاني واعترضت على الموقف، أوّل ما خاطبتُ الرجل سألته هل أنت أباها؟ فبهت إذ لم يكن يتوقّع أن يتدخّل أحد بينه وبين هذه الصغيرة التي لا تملك الدفاع عن نفسها، فلم يجبني!
سألتُ المرأة التي كانت برفقته هل أنتِ أمّها؟ فبهتت أيضًا وكأنها لا تعرف أن الرجل الذي يقودها كالبهيمة يمكن أن تعارضَه يومًا امرأة مثلها فلم تجبني أيضا! ولكن الرجل أردف مخاطبًا إيّاي وبعض المارّة ممّن تجمهروا حوله بأنه لا شأن لنا فيما يفعل! فأجبته لماذا هل نعيش في غابة؟ هذه إنسانة وقد عاملتها أنت مثل حيوان وهذا لا يجوز شرعًا. طبعًا لم يرق له الكلام ولكنه كان صامتًا ومستغربًا نوعًا ما فلم أحب أن أطيل الحديث معه، فتركته منبّهة إيّاه أن الله سوف يعاقبه على تصرّفه ففي الحديث الشريف: (ارحم مَن في الأرض يرحمك مَن في السماء).
مذهب اللا مبالاة مشروع في هذا الخضمّ المتراكم من الأحداث والتغيّرات التي تحيط بنا، فبطبيعة الحال نحن لا نملك التأثير في أغلبها وربما جرعة قليلة منه تكون مفيدة لتهب الاطمئنان، ولكنها لو تجاوزت الحدّ الإنساني سوف ندخل في غيبوبة ونصبح هائمين لا وجهة لنا ..
إظهار الموقف في بعض الظواهر التي يمكن التأثير فيها، يعيد لنا الحلّة الإنسانية التي بدأنا نفقدها شيئًا فشيئًا ربما بسبب المشاهد المتكرّرة التي غزت عالمنا وأصبحنا نراها ليل نهار، مثل الحروب والتعدّيات الفاضحة على الكرامة الإنسانية وكثرة الحوادث وغيرها، فهي كانت موجودة دومًا ولكنها لم تكن تصلنا بهذه السلاسة فبالتالي أدّى هذا الأمر إلى أن يصبح الكثير منها أمرًا معتادًا للمتلقّي مما يؤدي إلى خفض نسبة الهرمونات الإنسانية واستبدالها بأخرى حيوانية تمّ الاستعداد لها وتحضيرها مسبقًا ضمن مخطّط مدروس ..
صحيح أننا لا نستطيع تغيير العالم بأسره، ولكننا قادرون على الحفاظ على ضميرنا يقظًا، لا يستسلم للبلادة ولا يتغافل عن الظلم حين يراه. بهذا نعيد التوازن ونذكّر الآخرين أن السكوت ليس دائمًا من ذهب، بل قد يكون خيانة لقيمٍ لا ينبغي أن تموت ولنكن متيقظين حين يستغيث بنا الحق، ففي داخل كل منا قدرة على الإضاءة، مهما اشتدّ الظلام.
اضافةتعليق
التعليقات