لم ترعبني يوما فكرة أن أبقى وحيدة في هذا العالم، بلا أصدقاء ولا شريك، او حتى أهل!
ربما سيقول أحدكم، لأنهم موجودين في حياتك ولم تتوقعي يوما اختفاءهم منها!، ربما نعم، خصوصا ولله الحمد إني محاطة بجيش كبير من الأصدقاء الحقيقين!.
عندما أقول حقيقين هذا لا يعني بأنهم يرافقونني أربع وعشرين ساعة في اليوم، كلا، الأمر ليس كذلك، فقد يحدث بأن لا أراهم شهورا..
ولكني متأكدة بأني لو احتجتهم سأجدهم يصطفون أمام باب بيتي ويداهمون حياتي عليّ من أربع جهات لا خامس لها. هذا طبعا توفيق من الله ونعمة كبيرة أن يعرف المرء كيف يختار رفقاءه.
ولكن هذا لا يعني بأني لم أعش يوما حياتي وحيدة. أياما دون عائلتي وأياما دون أصدقائي واياما بلا زوج وأياما حتى دون نفسي..
تعودت الوحدة منذ صغري، ربما الشيء الوحيد الذي أتقنه جيدا هو كيف أبقى وحيدة في هذا العالم.
جربت شعور الصمت المطبق في أرجاء بيت غرفها خالية من البشر.. جربت كيف أغلق على نفسي باب غرفتي رغم أن لا أحد في المنزل.
ولا أنكر بأنه كانت تأتي عليّ أيام أحتاج فيها أن أكون وحيدة وخالية من البشر، كانت تمضي أياما كثيرة وأنا وحدي رغم أن عائلتي متواجدة في المنزل.
لا أكذب إذا قلت بأن الوحدة تجعلني اشعر بالاستقرار، إذ إن الزحام البشري يفقدني توازني بالكامل، لا أعرفني وأنا بين كم هائل من الناس.
الأصوات والضجيج وكل ما يمت بالكلام صلة يشعرني بالصداع النفسي!
وربما حبي لليل له علاقة بذلك، من الممكن أني وجدت الهدوء والتفرد الذي أبحث عنه في الليل، عندما يكون الجميع نيام والكوكب في حالة استقرار تام، لا ضجيج لأطفال الحي، ولا صوت سيارات تثقب طبلة الصمت..
ولكن مع كل هذا المزاج الغريب الذي أملكه أنا، على الطرف الآخر هنالك صديقة لي تخاف من الوحدة كثيرا، أو بالأحرى إنها تعاني من فوبيا الوحدة، رغم أن زوجها رجل غير صالح وحياتها معه أشبه بالجحيم، إلاّ أنها ترفض الانفصال عنه لأنها تخاف الوحدة!.
في الحقيقة ليست فقط صديقتي هكذا، هنالك الكثير من النساء في العالم يخافون الوحدة، وكأنه وحش شرس سيلتهم حياتهم القادمة، ويبقون على هذا الأثر يعيشون تحت ظروف صعبة للغاية فقط لأنهم يخافون الوحدة، حتى وإن كانت حياتهم مع أكبر ظالم في العالم أو مع غول!، المهم أنهم لن يظلوا وحدهم!.
السؤال الذي يراودني الآن، كيف سنواجه وحدة القبر ووحشتها لو كانت ترهبنا فكرة الوحدة إلى هذه الدرجة!، بالرغم من أن لي صحبة عميقة مع الوحدة، إلاّ أني لا أنكر بأن أطرافي ترتعش خوفا بمجرد التفكير بليلة القبر التي سأقضيها وحدي! فتلك الوحدة لا تحوي على السكينة والهدوء، ولن يكون القمر مكتملا في السماء، ولن يقدموا لي فنجانا من القهوة!، إنه يوم الحساب والكتاب، يوم الهلع!.
الأمر مخيف للغاية، وبالطبع لا يمكننا الجزم بأن جميع ليالي القبر ستكون موحشة لا، فهنالك من أزهرت وحدتهم وحضر ليلتهم ألف ملك ونبي.. ربما لهذا السبب نطلب من أمتنا الشفاعة والحضور لحظة الدفن.
فالدنيا مزرعة الاخرة، ومن هيأ نفسه للرحيل عرف ما يقدم في الدنيا كي يحصد ثمره في الآخرة..
فهل نحن مستعدون لتلك الوحدة؟ الوحدة التي تحتاج أن نعيد حساباتنا في هذه الحياة ألف مرة، إذا كنا لا نستطيع أن نتحمل الوحدة في هذه الحياة الفانية كيف سنتحمل وحدة قبرنا؟، ماذا سيكلفنا الأمر سوى إعادة حساباتنا مع الله والتفكير بالآخرة، ذنوبنا، شهواتنا، الرياء، والكذب، سوء الخلق، ومال الحرام، وحق الناس كلها تحتاج إلى تسوية حساب!، كم نحتاج التضرع إلى شفعائنا كي يحضروا تلك الليلة التي ليست كمثلها ليلة ويواسوا وحدتنا الحقيقية!.
ماذا تساوي وحدة القبر أمام وحدة الدنيا؟ في هذه الحياة حتى وإن عصفت بك الوحدة وبقيت فريدا وذلك شبه مستحيل لأن غالبا ما يكون لك عائلة وأهل وأصدقاء، وفي أسوء الحالات أقصد من فقد عائلته أو كان لقيطا سيكون له أصدقاء! أو من الممكن أن يكوّن عائلة في المستقبل ويتعرف على ناس، أي ليس وحيدا بالمعنى الحقيقي.
لكن وعلى رغم هذه الاحتمالات التي عرضناها لكم وعلى فرض أنه بقي وحيدا فريدا، بالنهاية سيتحسس وجود الله، ويعرف تماما بأن الانسان مهما عصفت به الوحدة سيكون له رب يرعى شأنه. ومن المستحيل أن يترك الله عباده، وكأن الله يقول لنا سأكون لوحدة دنياكم أنيسا ولتكن أعمالكم أنيسا لوحدة قبركم... فمع كل هذا العطف الإلهي والأنس الرباني، يا ترى هل أعمالنا بمستوى أن تأنس وحشة قبرنا؟ ماذا جهزنا لتلك الوحدة يا سادة؟.
اضافةتعليق
التعليقات