يعد الشباب ركيزة المجتمعات وفجر الحياة المشبع بالنقاء والوعود الصادقة، ولهم توضع كل المشاريع والمخططات، ويحاول الجميع أن يجاريهم ويشابههم.
أما في ثقافتنا فيتم تهميش الشباب، ولومهم، والتقليل من عزيمتهم، وثني طموحاتهم، ومنعهم من الإقدام على السعي، والتشكيك في صحة قراراتهم وآرائهم حتى يشعر الشاب أن هناك ما هو خاطئ بكونه شاباً.
ومرحلة الشباب مرحلة حيوية وإبداع وإنطلاق ورؤى متجددة للعالم تواكب تطوراته، يجب الاهتمام بها أشد الاهتمام، والإصغاء بكثير من الحساسية وانعدام الانحياز لآراء أولئك الشباب الشغوفين بالحياة أشد شغف، المقرين بغضاضة روحهم، والمرتبكين من الانصدام بتجارب الحياة، لأن المجتمع هو المستفيد الأول من طاقة الشباب وأفكارهم، فإن قمعها، ماذا يبقى من نور في هذا العالم؟ وأين تذهب البهجة؟
ولا يدرك الشاب حجم ما ضاع من عمره وإزدهاره ورونقه وطاقته بسبب هذه الثقافة إلا بعد مرور شبابه، ليعلم عندها أنه تم تعجيزه، وتكبيل عقله، وصبه صباً في قوالب ثقيلة ليست له.
فلا نجد لدينا عادات وأزياء ولغة وتقاليد متميزة بوضوح للشباب كما حصل في الأجيال السابقة، وكما يحدث في معظم الثقافات.
والأرجح في سيادة هذه الثقافة هو نوع من أنواع الغيرة المتخفية بالخوف على الشباب، لأن شبابي لن يعود، لذا دعني أخبرك بفضيلة المشيب التي ليست لديك، ولن تكون لديك أيها الأحمق، فأنا أمتلك خلاصة تجربة الحياة، وأنت تخطئ، والحقيقة أن الشاب يمتلك الحياة نفسها، وفرص تصحيح الأخطاء، وبإمكانه التعلم منها وجمع خلاصات قدر ما يشاء، ويدرك ذلك كل من ودع الشباب إدراك يقينياً اعترف بذلك أم يعترف.
فحمق الشباب ليس حمقاً متأصلاً بذواتهم، بل حمق ناتج عن قصر التجربة وقلتها، والأجدى تشجيعهم على خوض غمار الحياة، وتعليمهم أساليب التعامل مع الأخطاء والمشاكل، وتمكينهم من تكوين رؤيتهم الخاصة عن الحياة، بدل حرمانهم من التجارب بدعوى أن خوضها غير مفيد ولن يأتي بجديد لأن أحداً قبل ثلاثين عاماً خاضها، أو التشكيك في قدراتهم، وزعزعة ثقتهم.
العالم متغير، وهذا أصل، ولن تكون هناك تجربتين متطابقتين في نفس الوقت، فكيف بتجربتين هناك فارق زمني بينهما؟
وليس العمر المار على الإنسان دليل على أي شيء إن لم يحط نفسه بالمعارف، ويعمق معارفه بالتجربة، فالمشيب بذاته لا يمنح الحكمة.
إن دور الشُيّاب هو نقل هذه المعارف، وتشجيع طاقة الشباب، والسماح لهم بأن يكونوا هم، والرأفة والرحمة بهم لأن الحياة ليست سهلة البتة، فليسوا بحاجة إلى مزيد من المعاناة، كما أن لا بأس من إظهار بعض التواضع والتعلم منهم، لأن الأزمنة تتبدل سريعاً، ولديهم هم وهم فقط مفاتيحها.
فلا أحد مستفيد من إعاقة مسار الشباب وقتل إمكانياتهم، وما ينتظر مجتمعات تهمل شبابها هو الذبول والأفول.
اضافةتعليق
التعليقات