تكرر لفظ "الوسيلة " في القرآن الكريم في آيتين هما {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} ..المائدة[35] / وفي قوله الله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ)... 57 سورة الإسراء
فمعنى الوسيلة في اللغة هو: حيلة، سَبيل، طريقة للتَّغلُّب على عَقَبة، واسِطة لإيجاد مَخْرَج مُناسِب من صُعوبة. "وسيلة للخُروج من مأْزِق"/ وفي المحيط في اللغة ... وَسِلَ فلانٌ إلى رَبِّه وَسِيْلَةً: أي عَمِلَ قرْبَةً، وتَوَسَّلَ بكتابٍ أو بقَرَابَةٍ، وهو واسِلٌ. والوَسِيْلَةُ: المَنْزِلَةُ.
جعل الله تعالى مع قدراته وسائط ووسائل كي يتقرب المرء بها إليه لمعرفته ومعرفة أحكامه وللدعاء وطلب الحوائج منه، واقتضت الحكمة الإلهية أن لا يبتغي ذلك إلّا بالتوجه والتوسل بتلك الوسيلة "وابتغوا إليه الوسيلة" وهم أبواب الله ووسائطه وخلفاءه وهم بيت النبوة ومعدن الرسالة محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم، وابتغاء غير ذلك يعني هو خلاف الإرادة والحكمة الإلهية.
وسار على ذلك القانون الإلهي جميع أنبياء الله ورسله وأوصياءه ، آدم وإبراهيم وموسى وعيسى ..، اتخذوا من نبي الله وآل بيته وسائط بينهم وبين الله تعالى لبلوغ وتحقيق معارفهم وقضاء حوائجهم ، وبدون ذلك لا يمكن ان ينالوا شيئًا وان نالوا فليس هو الأحسن ، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدة مواطن، فمثلًا النبي نوح "على نبينا وآله وعليه أفضل التحيات والسلام" سيد من سادات خلق الله عزّ وجلّ لما وقع في كرب وبلاء عظيم ، وأراد ان ينجو منه، فماذا قال ومَن نادى ومَن أجابه، القرآن الكريم يوضح ذلك في قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) .
قطعًا النبي نوح هنا نادى الله تعالى، بمناداته ل "الوسيلة" يا محمد، ونادى يا علي، ويا فاطمة، ويا حسن، ويا حسين، /بقرينة ان الأية هنا جاءت بصيغة الجمع (نادانا /والمجيبون).
فالنبي نوح هنا يعرف انه لا يمكن ان يخرج من هذا الكرب إلّا بالتوسل والرجوع إلى من وضعهم الله وسيلة وواسطة بينه وبين العبد لاستجابة دعواته وتلبية حاجاته "وابتغوا إليه الوسيلة".
وكذلك الأمر بالنسبة إلى معرفة الله تعالى ومعرفة أحكامه وجميع الأشياء لا يمكن بلوغها إلا بطرق وابتغاء أبواب محمد وآل محمد.
وأئمة أهل البيت كلهم رسول الله كما هو واضح في بياناتهم "أولنا محمد وأوسطنا محمد واخرنا محمد" ، وكما جاء في الحديث الشريف محمد علي وعلي محمد ، وفي مناقب ابن شهرآشوب: عن بكير بن أعين قال: قبض أبو عبد الله صلوات الله وسلامه عليه على ذراع نفسه وقال يا بكير هذا والله جلد رسول الله، وهذه والله عروق رسول الله، وهذا والله لحمه وهذا عظمه، والله إني لأعلم ما في السماوات وأعلم ما في الأرض وأعلم ما في الدنيا وأعلم ما في الآخرة، فرأى تغير جماعة فقال يا بكير إني لاعلم ذلك من كتاب الله تعالى إذ يقول: " ونزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شئ ". بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٦ - الصفحة ٢
وكما جاء في تفسير القمي ل: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) أي : تقربوا إليه بالإمام. وفي تفسير البرهان عن ابن شهرآشوب قال:قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في قوله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة): أنا وسيلته.
وقالت فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) : ( ..، ونحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته، ومحل قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه ) . (شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد / الجزء 16 / الصفحة 211 .
وفي تفسير نور الثقلين عن العيون عن الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الأئمة من ولد الحسين صلوات الله وسلامه عليهم ..هم الوسيلة إلى الله تعالى.
والوسيلة: درجة هي أفضل درجات الجنة . كما يكشف لنا أجمل معانيها القران الناطق يعسوب الدين وآية الله الكبرى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في تلك الرواية: (عن الأصبغ بن نباته، عن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: في الجنة لؤلؤتان إلى بطنان العرش إحداهما بيضاء، والأخرى صفراء، في كل واحدة منهما سبعون ألف غرفة، أبوابها وألوانها من غرف واحد، فالوسيلة البيضاء لمحمد وأهل بيته صلى الله عليهم، والصفراء لإبراهيم وأهل بيته عليهم السلام.
- وروى الرواة حديثا في معنى الوسيلة قال: هي درجتي في الجنة، وهي ألف مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد شهرا، وهي ما بين مرقاة جوهر إلى مرقاة زبرجد إلى مرقاة ياقوت إلى مرقاة ذهب إلى مرقاة فضة، فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجات النبيين وهي بين درج النبيين كالقمر بين الكوكب، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال: طوبى لمن كانت هذه (الدرجة) درجته.
فيأتي النداء من عند الله عزوجل، فيسمع النبيون وجميع الخلق: هذه درجة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. فأقبل وأنا يومئذ منور *بريطة من نور، علي تاج الملك وإكليل الكرامة، وأخي علي بن أبي طالب أمامي، وبيده لوائي، وهو لواء الحمد. مكتوب عليه: لا إله إلا الله، المفلحون هم الفائزون بالله. فإذا مررنا بالنبيين قالوا: هذان ملكان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما. وإذا مررنا بالملائكة قالوا: هذان نبيان مرسلان، حتى أعلو الدرجة وعلي يتبعني حتى إذا صرت في أعلى درجة وعلي أسفل مني بدرجة، فلا يبقى يومئذ نبي، ولا صديق، ولا شهيد إلا قال: طوبى لهذين الغلامين ما أكرمهما على الله ! فيأتي النداء من قِبل الله يسمع النبيون، والصديقون، والشهداء: هذا حبيبي محمد، وهذا وليي علي، طوبى لمن أحبه، وويل لمن أبغضه وكذب عليه.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فلا يبقى يومئذ أحد أحبك يا علي إلا استراح إلى هذا الكلام وابيض وجهه، وفرح قلبه، ولا يبقي يومئذ أحد عاداك، ونصب لك حربا، أو جحد لك حقا إلا اسود وجهه واضطرب قلبه.
فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إلي، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة. وأما الآخر فمالك خازن النار، فيدنو رضوان، فيقول: السلام عليك يا أحمد فأقول: وعليك السلام أيها الملك من أنت، فما أحسن وجهك وأطيب ريحك ؟ فيقول: أنا رضوان خازن الجنة، وهذه مفاتيح الجنة بعث بها إليك رب العزة فخذها يا أحمد. فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد على ما فضلني به فأخذها، وأدفعها إلى علي، ثم يرجع رضوان. فيدنو مالك، فيقول: السلام عليك يا أحمد. فأقول: وعليك السلام أيها الملك من أنت فما أقبح وجهك وأنكر رؤيتك ! فيقول: أنا مالك خازن النار، وهذه مقاليد النار بعث بها إليك رب العزة فخذها يا أحمد. فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد على ما فضلني به فأخذها وأدفعها إلى علي.
ثم يرجع مالك، فيقبل علي يومئذ، ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار حتى يقف على حجرة جهنم وقد تطاير شررها، وعلا زفيرها، واشتد حرها وعلي آخذ بزمامها فتقول جهنم (جزني) يا علي فقد أطفأ نورك لهبي، فيقول علي: قري يا جهنم خذي هذا عدوي، وذري هذا وليي. فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه، فان شاء يذهبها يمنة وإن شاء يذهبها يسرة، فهي أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق.
اضافةتعليق
التعليقات