إن النفاق الاجتماعي ظاهرة منتشرة وبكثرة في مجتمعاتنا، والتي تندرج تحتها الكثير من الأفعال، كالتصنع والتلون في العلاقات والكذب والخداع، وحب الشهرة وطلب المناصب، والصعود على ظهور الآخرين من أجل المصالح الشخصية، حيث تحل الأنانية أمام الشعور بالآخرين واحتياجاتهم.
إن هذه الظاهرة أصبحت من المسلمات خاصة مع الانفتاح وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تعتبر المنصة الأولى لعرض صور النفاق الاجتماعي.
أصبح النفاق الاجتماعي ظاهرة واضحة بالمجتمع، مما يخل بالتوازن الأخلاقي في المعاملات اليومية للأشخاص.
تساؤلات كثيرة وإجابات متعددة ومتنوعة..
حول هذا الموضوع وجهنا السؤال التالي لشرائح مختلفة: لماذا تفشت ظاهرة النفاق الاجتماعي في مجتمعاتنا؟!
أجابنا الدكتور جمال الشطي حول هذا الموضوع:
إن سبب النفاق الاجتماعي يعود إلى:
1_ايمان الانسان القليل.
2_ الارتباط بالدنيا للوصول إلى أهداف غير معلنة.
3_ الخوف.
4_ الجهل.
5_البطالة.
6_الرغبة في الغنى السريع.
7_الحصول على الترقيات.
8_انتشار الرشوة والواسطة.
9_ضعف العدالة الاجتماعية.
10_ فساد القضاء.
11_الشعور بالقهر.
علما أن السبب الرئيسي نفسي حيث يكون الشخص مهزوزا بسبب معاناته من حاجات خاصة او نتيجة لتربية الخنوع والكذب وتزييف الحقائق.
وأجابنا محمد الكناني قائلا:
النفاق حقيقة ظاهرة خطيرة تفتك بالمجتمع وكما صنفت انها أخطر من السرطان كون الأخير يفتك بذات الشخص نفسه أما النفاق فينخر بالمجتمع.
ازدادت ظاهرة النفاق بسبب الفقر وضعف الثقافة والتنشئة غير الصحيحة، فأصحاب الأموال غيروا الكثير من النفوس وظاهرة المناصب والتملق وحب الشهرة والصعود على اكتاف الآخرين مؤشر خطير فأصبح الاختلال واضح في القيم والمبادئ التي تربى عليها الفرد، والجو العام السائد كالفساد يساعد على النفاق ويثبته كأنه حقيقة لابد منها.
وأخيرا النفاق يحتاج إلى مكافحة لاتقل أهمية عن درجة مكافحة الفساد والنهوض بالواقع المجتمعي المتردي إلى ما دون الهاوية.
أما المواطن أحمد فقد قال: أسباب عديدة أدت إلى تفشي هذه الظاهرة تتمثل ب:
1_عدم الورع عن محارم الله.
2_قلة الإيمان الباطني والتظاهر بالإيمان.
3_الحسد وعدم حب الخير للآخرين.
4_عدم القناعة بما نحن فيه فنحب أن ننتقص من غيرنا إضافة إلى الأكل الحرام.
وقد أجاب الشيخ حسين السلطاني: إن أسباب النفاق الاجتماعي:
1_ ضعف الإيمان والجهل والبطالة والفراغ.
2_الرَّغبة في حصول الربح السَّريع بجهد بسيط وكذلك تسرع في حصول الرئاسة فانها قد تنحصر عن طريق النفاق والتدين الزائف.
3_البعض ممن يمارس النفاق لا يعلم انه ينافق، بل هو اضطراب عقلي يصور له انه حقاً يعتقد ذلك في هذا الوقت، كالذي يظهر محبته لبعض الأشخاص أو تصديق فكرة أو معتقد معين.
4_تطبيق قانون المثل في صورة خاطئة فقد يتعرض الشخص للنفاق من شخص آخر فيحصل عنده ردة فعل فيقوم فينافق.
5_أصدقاء السوء فأن لهم تأثير في هذا الجانب.
6_ قد ينافق ليدفع عن نفسه تهمة أو يخاف على نفسه من الضرر.
وكان رأي الدكتور عبد عون المسعودي الأخصائي بعلم النفس كما يلي:
هنالك أسباب كثيرة أدت إلى تفشي النفاق الاجتماعي تتمثل بالحروب المتواصلة والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية والروحية وغيرها جعلت من الفرد العراقي عرضة لتبني السلوك السيئ في تحقيق أهدافه.
كما أن القيم والعادات التي تبناها المجتمع العراقي هي الأخرى ضربت مما جعل سلوك النفاق سلوكا مقبولا عند البعض.
ولعلاج هذه الظاهرة علينا تطبيق القانون الذي يضمن حقوق الفرد دون اللجوء إلى النفاق وكذلك الاستقرار السياسي والاقتصادي.
أما الكاتبة فهيمة رضا قالت لنا:
عندما يبتعد الانسان عن القيم والمبادىء سوف يقوم بفعل أي شيء ولا يبالي بذلك، فالانسان الذي تربى على حب الآخرين ولديه قيم ومبادىء ثابتة سوف يحترم الآخرين، والمبادئ الدينية تحرم النفاق وتبعد الناس عن ارتكاب هكذا جرائم وتتوعد المنافقين بالعذاب.
النفاق الاجتماعي موجود على مدى الأزمان ولكن ازدهر كثيرا بسبب ابتعاد الناس عن الدين
حيث أصبح الدين مجرد أقوال تنتقل عبر الألسنة من هذا إلى ذاك.
ولأن اهتمام البشر كثر حول الماديات إذن لا عجب من أن نرى ازدهار النفاق الاجتماعي لأن كل شخص يريد أن يرتقي وحده ويصعد على أكتاف الآخرين ويتلون بألوان مختلفة كي يصل إلى مبتغاه.
فالسبب الأساسي في المشاكل والرذائل حب الأنا، فالجميع أصبح يبحث عما يشبع غرائزه ويوصله إلى مبتغاه. فعندما تصبح الأنانية في القمة نتوقع حدوث أي شيء.
وبهذا الصدد تحدث الشيخ (صباح حسن الخانقيني) عن ظاهرة النفاق الاجتماعي وقال:
إنه مرض يصعب علاجه كالسرطان الخبيث الذي لا يفيد صاحبه أي علاج أو استئصال، فتأصل هذا المرض النفسي في مجتمعاتنا هو نفس ذاك المرض الذي عانى منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة بعد أن فضل عدم المجابهة العلنية للكفار في مكة.
فقد أصر المنافقون على قلب الحقائق وصناعة الأراجيف وإيذاء الرسول صلى الله عليه وآله بها،
وهذه السلوكيات إذا لم تكن ضرب للاسلام أو ايذاء للنبي فهي بالنتيجة سلوكيات عكست المرض المجتمعي الخطير الذي لم ينته حتى مع وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم رغم محاربته لظواهر كثيرة وكبيرة استطاع وأدها والقضاء عليها.
ولو أمعنا النظر في القرآن الكريم لوجدنا شواهد وآيات لا حصر لها من بينها:
{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾.
وكذلك قوله تعالى:
(يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون)..
وكذلك قوله:
﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾..
وقوله: (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
وكذلك: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾. وغيرها من الآيات، ولو تتبعنا مفردات القرآن لوجدنا هناك 25 آية ذكرت فيها المنافقين بشكل مباشر وأما التضمين فهناك المئات ما يعني أن كل شيء عاناه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان هيّنا أمام مصيبته بالمنافقين الذين تعذر عليه معالجتهم، وبذلك قال كلمته المشهورة:
(ما أوذي نبي مثل ما أوذيت).
وفي السياق نفسه أشار الدكتور آزاد حسن المختص في علم النفس إلى هول هذه الظاهرة الاجتماعية وتأثيراتها على عدم نهوض المجتمعات وبخاصة مجتمعنا العربي إذ أن التراكمات الاجتماعية والخنوع لذوي النفوذ وأصحاب المال جعلت هذه الظاهرة تتفشى بين أفرادها وبخاصة أن مفتاح هذه الظاهرة هو الكذب والتي تعتبر من الجانب النفسي وسيلة هروب من الأخطاء إذ تولد حالة من الإزدواجية في شخصية الفرد فتراه تارة يوصف شخصا أو حالة ما وبعد أن ينصرف منها تراه يخرج ما كان يخفيه من قول بعكس ما كان يبديه سابقا.
فالكثير من المجتمعات وبخاصة الغربية منها تحارب ظاهرة الكذب من خلال وضع النقاط على الحروف وعدم مجاملة الآخرين في مواقف الخطأ أو ترك حبل الكذب على الغالب لأنهم بذلك يرفضون النفاق الاجتماعي إذ أنهم يعلمون جيدا أنها منحدر مسيء للأخلاق ويعتبرون ازدواجية التحاور هو مرض نفسي ينظر إلى صاحبه نظرة تشاؤمية حتى يصل به الحال إلى العزلة بعكس المجتمعات العربية وللأسف تراهم يتهافتون على المديح وإعلاء شأن الفاسد مثلاً مما يزيد من أعدادهم كونهم يشعرون أي الفاسدين أنهم مقبولون إجتماعيا.
لذا من أهم الجوانب العلاجية والتي تحتاج إلى تكاتف اجتماعي رصين من أجل تحقيقه هي..
١- تجنب الكذب.
٢- عدم المجاملة المفرطة.
٣- تشجيع الشباب على التكلم ما في داخلهم من مشاعر بصراحة.
٤- ردع جميع الأشخاص مزدوجي القول بلسان ناصح.
٥- اقامة ورشات عمل تشجع فيها الافراد على التكلم بجرأة وبكل صراحة من خلال النقد والنقد الذاتي.
٦- تشجيع المؤسسات التربوية على تخصيص وقت محدد في مناسبة رفع العلم في يوم الخميس خاص لإبداء الطلبة ما بداخلهم من مكبوتات القول عن المعلمين والإدارة والأخذ بأيديهم وتشجيعهم ومنحهم جوائز لصراحتهم علما بأن ما يقولونه من آراء هي بمثابة تقويم تفيد إدارة المدرسة كون ان بناء الفرد من أهم واجباتها والمجتمع بلا نفاق هو الاول دائما.
وقد أجاب الشيخ حبيب الطرفي:
ورد عن النبي (ص) ان المجاملة نصف العقل وورد ان مداراة الدين نصف العقل فإذا كان المقصود المجاملة بين الناس فهذا ليس بنفاق والنفاق ان الانسان يظهر لك شئ ويستبطن خلافة مع نية السوء كما هو الحال في المنافقين الذين كانوا مع النبي (ص) كانوا يتظاهرون بالايمان ولكن كانوا يتظاهرون بالايمان ويكيدون للنبي (ص).
فإن معيار التفكير السلبي يختلف من شخص إلى آخر حيث يتدخل فيه مقومات ودوافع كثيرة ومختلفة كالدين والعقيدة والقيم البيئية وما إلى ذلك من دوافع وعوامل لا حد لها ولا حدود بل لايمكن ايجاد عبارة محددة للتفكير السلبي لانه يختلف من شخص إلى آخر في التزامه وعقله واخلاقه وووووو أضف الى ذلك ان التفكير السلبي غالبا مايكون تصرف فردي مع أنه باطني فكيف يتم تحقيقه ومعرفته إلا بعد الافصاح به او أظهاره بفعل او قول أو كتابه أسأل من الله تعالى لنا ولكم حسن العاقبة في تحري الصواب وملازمة الحق والعدل.
وأخيرا ومن أجل أن يتخلص الإنسان من هذه الحالة المرضية، فإن عليه أن يكون صريحاً مع نفسه، محاسباً لها على الدوام لأن هذا هو الحل الأمثل لمرض يكاد يكون هو الأقوى من الأمراض.
قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.
اضافةتعليق
التعليقات