وجهه المملوء بتعبيرات القلق والحيرة كان يوحي إلى أنه قد حصل أمر ما يزعجه، ثم تبين بعدها أنه قد أزعجه حلم غريب فهو قد طلب المفسر كي يَحضر، وعندما جاء المفسر أخبره بأنني الليلة قد رأيت حلماً عجيباً فرأيت أن كل أسناني قد تكسرت وسقطت فماذا لديك من تفسير لرؤياي؟ فقال المُعبر: مع كمال الأسف يا مولاي الملك أن جميع أهل بيتك وأقاربك سوف تراهم يموتون أمامك، فغضب الملك غضباً شديداً ولم يصدقه وزج به في السجن وطلب بإحضار معبر آخر كي يفسر له حلمه، فجاء المعبر الآخر وفسر حلم الملك بذات تفسير المعبر الأول، فانزعج الملك كذلك وزج به في السجن وطلب بإحضار معبر آخر، فجاء المعبر الثالث واستمع جيداً لمنام الملك، ثم قال: يا مولاي الملك إني أبشرك وأبارك لك في منامك هذا، فتعجب الملك من كلامه وقال: لماذا؟ فقال المعبر إن تفسير رؤياك هذه تدل على أنك سوف تكون أطول عمراً من جميع أهل بيتك وأقاربك، فسُرَّ الملك بذلك سروراً عظيماً وأمر بإعطائه جائزة على تفسيره هذا وأعاده إلى أهله معززاً مكرماً.
سبحان الله.. إذا كان عمره أطول من جميع أهل بيته وأقاربه أفلا يرى أهله وأقاربه يموتون أمامه؟!!
إن الأمر بديهي فإذا كان هو أطول عمراً فسيرى أقاربه يموتون أمامه، ولكن المفسرين الأوليين قد بيّنا هذه الحقيقة بطريقة سلبية بينما بيّنها المفسر الثالث بطريقة إيجابية إذ بث الأمل والتفاؤل في قلب الملك، ونحن كذلك يمكننا بيان حقائق كثيرة قد لا تسر الخاطر بطريقة إيجابية فتعطي نتيجة إيجابية ومفعولاً إيجابياً يفيد المجتمع، بينما لو بيّنا الحقيقة نفسها بطريقة سلبية فستنقلب المسألة وستعطي تأثيراً سلبياً بدل أن يكون إيجابياً على المجتمع، وهذا هو ما يعبر عنه بفن الكلام والأسلوب الجميل الذي يتمنى كل واحد منا أن يعامله الناس بأسلوب لطيف يليق بمقامه.
ولكن هل فكرنا يوماً في أن نجعل كلامنا يبدو بحلّةٍ جميلة تزيده أناقة أكثر ولطافة للمستمع؟ لا بأس يمكننا البدء منذ هذه اللحظة بالتفكير في كلامنا وكيف يمكننا أن نجعله أكثر أناقة وعذوبة للمستمع، وإن الأمر ليس بتلك الصعوبة فإن ذات الحقائق والكلام الذي نريد أن نبيّنه نستطيع أن نلبسهُ حلّة الجمال ونبثه للمجتمع بطريقة إيجابية تفيد الناس لا أن تضرهم.
هنالك الكثير من الآباء والأمهات الذين يقولون بأن أبناءهم لا يفهمون عليهم وما يريدون منهم وهم يعانون من هذه المشكلة كثيراً، كما وأن هنالك الكثير من الأبناء كذلك من يعاني من هذه المشكلة نفسها فيقولون أن أبوينا لا يفهمون علينا وما نطمح إليه من طموح كبير.. فهل يا ترى تكمن المشكلة الحقيقية في الأبوين حيث لا يفهمهم الأبناء أم أنها تكمن في الأبناء حيث لا يفهمهم الأبوان؟.
أصارحكم القول بأنه لا توجد أية مشكلة في ذات الأبوين أو الأبناء مما يسبب عدم فهمهما للآخر، فإن المشكلة الحقيقية ليست في ذاتهم بل بالحوار الذي يحصل بينهما، فإن ما يقارب 70 % من الأُسر من يتخذ نهج الأمر والنهي من قِبل الأبوين ولا ينبغي على الأولاد إلا السمع والطاعة لا المناقشة والحوار وهذا هو ما يسبب عدم التفاهم الحاصل بين كلاً منهما.
فإن الآباء لا يعرفون سوى أنهم يفعلون ما بوسعهم كي يؤمنوا حاجات أولادهم وهذا ليس بالقليل طبعاً، ولكن انعدام أسلوب الحوار الجيد والمناقشة والتعاون مع الأبناء يتسبب بحصول هذه المشكلة الكبيرة، حيث أن الأبناء يشعرون أن آباءَهم لا يعيرون لهم أو لأفكارهم أي اهتمام وأنه من الواجب عليهم أن يلبوا حاجاتهم اللازمة لا بدافع من الحب والاهتمام بهم، في حين أن الآباء ينظرون إلى أبنائهم وكأنهم قد لبوا لهم كل ما يحتاجون وبذلك هم يعطونهم كل الأهمية في حياتهم، فكثيراً من الأوقات ما يضحون براحتهم وطمأنينتهم من أجل أولادهم وبذلك يترتب على الأولاد إطاعتهم واحترامهم لمجهودهم.
لكن الشيء الوحيد الذي يحل هذه المعضلة بخصوص عدم التفاهم هذا هو أن يتخذ الأبوان أسلوباً مقنعاً وجذاباً في الحوار والمناقشة مع أبنائهم كي يستطيعوا النفوذ الى قلوب الأبناء لا أسلوب الأمر والنهي، فإن الأولاد وكما نعلم على الأخص الشباب يمتلكون آراء تعبر عن أفكارهم وطموحاً يعبر عن قدراتهم لكنهم قد يواجهون مشكلات كبيرة في التفاهم مع آبائهم كونهم لا يعيرون اهتماماً لأفكارهم ومعتقداتهم وهم يعتبرون أن الزمن قد تغير وأن الآباء قد عاشوا في بيئة تختلف عن بيئتهم ولذلك فهم لا يُقدّرون أهمية التطور والتقدم في أفكارهم وطموحاتهم، كما وأنهم كلما حاولوا التعبير عن أفكارهم للأبوين فإن الأبوين يحصرونهم في كلمات من العادات والتقاليد وأنه ليس من اللائق أن يبدو الشاب بمظهر لا يليق مع أصل العائلة أو أن يتصرف خلاف عاداتهم وأفكارهم التي يعتقدون بها.
وأن الشاب كلما أراد أن يعبر عن رأيه في موضوع ما فإنه لا يسمع من قِبَل الأبوين سوى الملامة والتأنيب والاتهام بعدم الفهم وإدراك الأمور وما شابه من ذلك، وهنا سيسعى الشباب الى تجنب خوض أي حوار مع الأبوين كي لا يقعوا ضحية لكل تلك التأنيبات والاتهامات، وسوف يختارون أن يخوضوا دوامة الحياة وصعوباتها بمفردهم خوفاً من الوقوع في الملامة ولربما الاستهزاء والضحك من قبل الأبوين، في حين أن هذه الأفكار تعني الكثير لهم ولربما مجرد ضحكة واحدة ستسبب لهم انهيارا نفسيا سيؤثِّر على طموحاتهم وحياتهم المستقبلية، وبهذا سيكون احتمال وقوع الأبناء في المشاكل والصعوبات كبيراً جداً قد يؤدي بهم إلى الإنحراف عن الطريق الصحيح والتفكير السليم، وقد يتخذون اتجاهاً معاكساً كلياً لكلام الآباء كي يثبتوا لأبويهم صحة رأيهم وثباتهم على أفكارهم، وبهذا تكون المعاناة من الطرفين.
وهنا قد يلجأ الشباب إلى أي شخص أو أي موقع آخر من مواقع الانترنت يوفر لهم هذا الإحتياج ويناقشهم في مشاكلهم ويدعم أفكارهم ويجيب عن تساؤلاتهم، وقد لا يكون ذلك البديل الآخر حلاً مضموناً من المساوئ والأخطاء، ولذلك نحن ننصح الآباء بالعمل على خلق جو الحوار السليم في العائلة حيث سيحل هذه المشكلة العظيمة، وسيعطي للأبناء القدر الكافي من الثقة بالنفس والقدرة على طرح أفكارهم ومشاكلهم من دون وجود خوف من سلطة الأبوين، وبذلك سوف يكون من السهل على الآباء التعرف على شخصية أبنائهم وإرشادهم للحل الأمثل لمشاكلهم، كما وسيبث هذا العمل الطمأنينة الكافية في قلب كُلٍ من الآباء والأبناء فهم على علم تماماً بمساعدة كلٍ منهما للآخر على حل صعوبات الحياة، وهذا ما سيزيد من علاقة التواصل بين الأبوين والأبناء.
إن خمس دقائقٍ من الإستماع لمشاكل الشباب وبث الطمأنينة في قلوبهم وإرشادهم بحكمة ودراية بالأسلوب الجيد والابتسامة العذبة، يكون كفيلاً بأن يحل مشكلات عظيمة قد تطرأ على الشباب بسبب عدم التواصل الصحيح بينهم وبين الأبوين.
اضافةتعليق
التعليقات