إن للخطوات تأريخها ، حين تنتزع من الربيع بعض الذكريات ومن قلب القدر نسلي أنفسنا انعطافات ممزوجة بالهمة. لنا لقاء مع القلم و العظماء، وقد تأبطَ الحرف ليحكي لنا قصته مع الكرامة ، لأنّ فيصل العلم قد آنسه ذكر الأولياء لأنهم هم الصادقين . في هذه الأيام ، ونحن في إشعار الفرحة نذكر أحبابنا على منصة الفاتحة لكل مجلس قد خصص لمحاسنهم وكرامتهم التي اجتازت العمر وعمق الفائدة المتقدة بالعلم والمعرفة . وقد قال الامام الصادق (عليه السلام ) في كرامة الاولياء: «إذا كان مخلصا لله قلبه، أخاف الله منه كل شئ حتى هوام الأرض، وسباعها وطير السماء » * إنها الكرامة ، والتي اجمعت بجوازها للاولياء وان لم يكونوا انبياء . لذا يعد رحيلهم كالحلم الذي عصف الروح ، الا أن أنفاسهم لازالت حية مشهودة الخلود في ذواتنا المقصرة . مرت الأعوام على رحيل المرجع الراحل محمد مهدي الشيرازي رحمه الله ، والقلم لازال يذكره ويجدد حكاياته وينشر لآلئ معارفه ذات البصمة الحرة العميقة ، ويعترف الرأي به بأنه الاقوى والافضل والأمثل في تجميع الفكرة وتثبيتها رفوف المذاكرة في مكتبة العلم ، دون كلل أو ملل حتى تبحر بين الأجيال باقتدار . كما يصف مولى الموحدين علي بن ابي طالب في نهج البلاغة في وصفه المؤمن النقي: «يكره الرفعة ويشنأ السمعة، طويل غمه، بعيد همه، كثير صمته، مشغول وقته، شكور صبور، مغمور بفكرته: ضنين بخلته، سهل الخليقة، لين العريكة، نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد». جعل الله سبحانه لهم وجاهة معمورة بالفخر ، في قلب العباد ومحفزا ميمونا لأدامة الطاعة والتصديق بمنهجهم ، و دليلا نقيا ليتسنى لمن اقتدى بهم وتأسى أن يلج تلك الكرامة بنظر وأستبصار ، الأمر الذي يدفع بعجلة الاعتقاد إلى الثبات أكثر . أن أرومة أخلاقه ، كنز يحتم على من يتابع خطواته الحفاظ عليه ، وتجسيدها علميا وعمليا ، ليحظى العقل بصمة وعي خارقة ، بعيدة عن كل إسراف مجوف لايُفهم . فقد كان عيدا لسماحته حقا أن فارقت أنفاسه وهو في عز انتصاره على نفسه اولا ، وعلى من عاداه ثانيا .. لم يفارق الا على حد السيف ، أنها الجائزة وما أدراك ماهي ، أن تفوق روحه على أترحة الفيض الرباني وشفاعة الخلد من أجداده الكرام البررة . « إلا أن أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون»، فالأثر يتبع المأثور ، و هو من أفذاذ الكلمة الرائدة في كل مجالاتها ، قد سابق الزمن وغلبه وتسابقت أنامله لوغز الورق بأفكاره المنيرة من سيرة آل البيت (سلام الله عليهم ) أجمعين ، فلم يترك للعلم بابا الا ولج فيه ، جاعلا من سطور الحياة ابتهاج وثمرة تلجم العقم الفكري المترهل ، يعقبه فرج لأمهات الكلمة التامة، وقد ألبسها مدثرا يضيء الذات المكبوتة ، ويعلمها معنى الرفض ومكانته . هل نجد إذن ، وفي عقر هذا الزمن مثالا قد أعطى من مايملك لخدمة يد التراث كما قد فعل ، النسبة هنا هي الحاكمة بالحق ، والرفض للفارق على حساب الدين هو الشاهد ، نعم كان سماحته رفيقا ومعينا. وذات همة عالية في أن لا تنحني هامته الأّ لمبدأ التوطين الجعفري الحنيف .. الأمر الذي أفقده اعز ما لديه ، راحته و احبابه . وشتان مابين القيل والقال ، أن تعمّر الحروف مكارمه ، وفي طريق المعرفة ، ألف شهادة ، وألف حقيقة تثبت أن للكتاب عظماء ليس لهم نظير . « ولربما تكون إحدى هذه الكرامات التي توضح لنا عظمة هذا الرجل ، فبعد استشهاده بأيام ؛ أصيبت طفلة في عمر الزهور بذبحة صدرية قاسية أرقدتها المستشفى - بقم المقدسة - لاثني عشر يوما بلا فائدة، وكانت حالتها الصحية تزداد سوءا بعد سوء، وخاف ذووها من أن تفارق الحياة دون أن يتمكن الأطباء من علاجها ، فهرعت والدة الطفلة إلى البيت المرجعي وطلبت تلك المسبحة التي كان الإمام الراحل يذكر فيها الله تعالى كل ليلة قبيل صلاة الفجر بذكره (لا إله إلا الله) ، وضعت الأم تلك المسبحة على صدر ابنتها ليلا، وطلبت من السيد رضوان الله تعالى عليه أن يشفع لها عند الأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام) . وفي الغد ؛ استيقظت من رقدتها ولم يكن فيها أي أثر للمرض وقد عوفيت تماما ! وذهل الأطباء من الأمر وأيقنوا بأن وراءه إعجاز إلهي ببركة هذا السيد المظلوم . » ** فمن يعظم كرامات الأنبياء ، وأهل البيت حريا أن ينفذ نورهم إلى قلبه ويتطبع بطابعهم الغيبي ، وأن تمسه كراماتهم أكرومة تقع على القلب فتحييه… فالاخلاق تختم لنا الوفرة النادرة من مواقفه ، وعقله الحصيف وكمال تصرفه اللائق مع كل من قابله وعرفه قربا وبعدا . انه حقا ، ذلك النسيج الحسيني ، الفوّاه بالحق من طابعة الزمن المتألق بالهمة لخدمة المبدأ والدين… ثوب أفكاره وطبيعة مداده من ذاك الزمن المعتق بنظارة العمل والجد والاجتهاد وكفاءة الدرب المثقل بالمواجهة وتحمل الظرف الصعب .. كان حقا على الأجيال أن تمجد هذا الغيث ، وتحتفظ بخطواته ، وتقبض على عباءة التهذيب . نبقى إذن مسؤولين على كل ذلك ، في إن نصون هذه الثوابت ، ونقدّر افرادها ، ونعزز كرامتها قيد النشر وإحياء ذكراها على المدى البعيد ، وأن نأسس لها محفلا لائقا كما تستحق ، ونبقي تراثها مصونا من الشبهة ونسعى دائما تتبع أثرها على مدى الحياة .
اضافةتعليق
التعليقات