بدأت عطلة أعياد نوروز.. شدت العوائل امتعتها لتقضي هذه الايام بين الجبال.. في القرى بقرب الشلالات.. في الحدائق ..بين لعب الاطفال.. حفلات الشواء والتقاط الصور الجماعية، يحفرون الذكرى الجميلة في سجل يومياتهم.
غيوم متفرقة تملأ السماء.. نسمات الهواء العليلة تهب بين الحين والآخر.. اوراق الاشجار الصغيرة جديدة العهد بالحياة جمعت على سطحها بعض قطرات الندى.. لترسم لوحة ربيعية مبهجة.. ونحن من بين تلك العوائل نشد الرحال ونتجه الى المطار.. ساعات قليلة وتحلق طائرتنا.. رفع الكابتن المايكرفون محيّياً الركاب ومخبرهم عن تفاصيل الرحلة.. سرعة الطائرة.. ارتفاعها والوقت المستغرق للوصول .
بدأت الطائرة تتحرك ببطء.. زادت سرعتها شيئا فشيء لترتفع عن الارض وتبدأ بالتحليق.. قلبي سبقها محلقا الى حيث مناه.. أراقب الغيوم من نافذتي.. شعرت انها نفس الغيوم التي كانت في مدينتي.. وكأنها هربت معي من ذلك الصخب الدنيوي .!
بدأت الطائرة بالهبوط حتى استقرت على الارض.. "وصلنا للتو الى مطار النجف الاشرف الدولي" اعلنها الكابتن.. بلى فنحن الآن على أرض علي.. انفاس زوار الامير تملأ المكان .
انتهت اجراءات المطار الامنية.. ركبنا السيارة وانطلقت بنا الى حيث ارض الاحرار.. احتاج الى ساعة جديدة من الانتظار حتى أصل.. عيني ترمق: "محافظة كربلاء ترحب بزوارها الكرام" بلى لقد وصلنا.. مولاي أكمل لطفه.. ها هو يأذن لي بتنفس هواء جنته.
ننقطع عن العالم الدنيوي لمدة.. ننتقل الى عالم روحاني.. ها هي القبة السامية تتلألأ امام عيني.. أقدامي تسرع بخطواتها.. وصلت الى نقاط التفتيش، ننتظر فترات قد تطول احيانا.. ما بين مشتكية من ضيق المكان وأم تخاف أن يضيع ولدها في الزحام وامرأة مسنة تخاف ان تسقط من التدافع ..القلب تتسارع نبضاته.. الدموع تنهمر فرحا وحزنا معا.. فصبرا قليلا وسترى جنة فاقت كل معاني الجمال ..عقلي يرسل الإيعاز بأن امسح تلك الدموع لأرى الجمال بوضوح.
قلبي لسان حاله يقول: "اعشق دموع الفرح تلك التي تعيقني عن رؤية الشباك بوضوح" وبين صراع عقلي وقلبي.. ينتهي تفتيشي فألج من باب الله الذي منه يؤتى.
الخجل.. الفرح.. الحزن.. الشوق.. كلها تجتمع داخلي لتوصلني الى حد الجنون المطلوب فأنا امام ضريح من أجنّ العالم بأسره .
انتقل بين الجنتين.. ذلك الضجيج الذي يملأ القلب هدوء وسكينة.. كيف لا وهو ضجيج الزوار ..!ما أن اقترب من بابه حتى استنشق ذاك الأوكسجين المحمل بالغيرة والوفاء.. الايثار والولاء.. احاول التزود بما استطيع من طاقة الاخلاص التى يهبها صاحب الاخلاص "أبو الفضل" لكل زواره.. نعم ها انا اقف مسلما مع الملائكة والانبياء.
عدنا الى النجف.. لزيارة صاحب الهيبة الالهية.. انه بطل المعارك.. قاتل الفجرة.. ولكنه! الأب الرحيم.. كل من يدخل حرمه يشعر بتلك الرحمة التي تملأ المكان.. أمام ضريحه يشعر القلب بفخر الانتساب اليه والولاء له.. يلهج اللسان بطلب لقائه بعد الموت والارتواء بيديه من ماء الكوثر عند الحشر.. لننعم بالفوز الحقيقي.. المتمثل بولائه في الدنيا.. وشفاعته في الاخرة .
ولأسباب مختلفة.. نفارق تلك الاجواء.. تقلع الطائرة هذه المرة بشكل مؤلم..! يشبه انتزاع القلب عن الجسد.. القلوب الزائرة تبقى متمسكة بالأضرحة.. لا ترغب بالعودة ..!
سادتي.. يا أهل الصبر.. امنحوني الصبر
امنحوا قلبي الصبر على الاشتياق
امنحوا صدري الصبر على الاختناق
امنحوا عيني الصبر على الفراق
امنحوني الصبر.. حتى يحين لقاؤكم الذي اتمنى ان يكون قريبا.
اضافةتعليق
التعليقات