تبدأ مناجاة المطيعين لله تعالى(١) الصادرة عن إمامنا زين العابدين (عليه السلام) بقول: [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : اَللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا طَاعَتَكَ، وَجَنِّبْنَا مَعْصِيَتَكَ]، إذ أن النفس البشرية كونها مخيرة جُعل فيها قابلية أن تختار بأن تلهم الى التقوى فتكون من النفوس المطيعة أو تلهم للفجور فتكون من النفوس العاصية، كما قال تعالى: {وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها- فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها}(الشمس٧-٨).
هنا الإمام (عليه السلام) يعلمنا كيف نكون من أهل الطاعة، وذلك بأن نطلب من الله تعالى أن يجعل نفوسنا من الملهمة للطاعة، وتحقق هذا الشيء ليس بلا مقدمات كلا! بل النفس تبقى مخيرة، ولو لم تكن كذلك لما اختارت التقوى على الفجور، أي لما طلبت أن تلهم الطاعات، بل إنها لو كانت من أهل الخيار الأول لما التفتت لهذا المطلب لأنها تكون غارقة في بعدها ومشغولة بفجورها.
ومن بين سطور هذه المناجاة نجد لفتة ولائية يقول فيها الإمام (عليه السلام): [اَللَّهُمَّ احْمِلْنَا فِي سُفُنِ نَجَاتِكَ، …وَاجْعَلْ جِهَادَنا فِيْكَ] إذ إن مفتاح فهم مقصد من مقاصد هذه الفقرة هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، فالمقصد من الجهاد في هذه الآية والفقرة الدعائية واحدة ألا وهي التوجه إلى الله تعالى وحده لذا قالت الفقرة التالية: [وَأَخْلِصْ نِيَّاتِنَا فِي مُعَامَلَتِكَ، فَإنَّا بِكَ وَلَكَ وَلا وَسِيلَةَ لَنَا إِلَيْكَ إِلّا أَنْتَ]، والثمرة هي(لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).
فكما هو معلوم أن من معاني الإلهام هي الهداية الخاصة، والتي تكون عبر سُبل الله تعالى الخاصة، والتي هي العترة الأطهار الذين وصفهم النبي (صلى الله عليه وآله) بأنهم سفن النجاة الإلهية، وذلك بما ورد عنه (صلى الله عليه وآله): "إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح (عليه السلام)، من دخلها نجا، ومن تخلف عنها غرق"(٢)، والتي أوسعها وأسرعها سفينة الإمام الحسين (عليه السلام)، كما حتى جاء في الحديث عن المعصومين (عليهم السلام) أنفسهم "كلنا أبواب النجاة وباب الحسين أوسع، وكلنا سفن النجاة وسفينة الحسين أسرع " (٣).
بالنتيجة الذي يكون من الصاعدين في هذه السفن فهو سيكون من الملهمين بفعل الطاعات والعالمين بها، فمن ضمانات الاستقامة على فعل الطاعات بأن يكون الإنسان محمول في سفن النجاة هذه لا غيرها.
ولهذا هو سيكون من المتمتعين بمناجاة ربهم، المرتويين من موارد حب الله تعالى متى ما ظمئت جوارحهم وجوانحهم، المنتعشون بحلاوة قرب الله تعالى ولطفه، كما تصف لنا هذه العبارات: [وَمَتِّعْنَا بِلَذِيذِ مُنَاجَاتِكَ، وَأَوْرِدْنَا حِيَاضَ حُبِّكَ، وَأَذِقْنَا حَلاوَةَ وُدِّكَ وَقُرْبِكَ، وَاجْعَلْ جِهَادَنا فِيْكَ وَهَمَّنَا فِي طَاعَتِكَ].
___
اضافةتعليق
التعليقات