قال تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}(الكهف:١٠)، يمكن أن نستلهم من قول الفتية في هذه الآية الكريمة أمرين في مستوى طموحهم:
أولاً: بقولهم {فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}
أي أنهم لما اعتزلوا قومهم وارتبطوا بربهم، لم يكونوا يريدون جزاء مادياً ولا منصباً ولا وجاهةً ولا حتى أمان، بل طلبوا أن يكونوا تحت مظلة رحمة الله تعالى، أن يبصرهم ويثبتهم ويزيدهم ايمانًا وهدى.
وأصحاب الإمام (عج) لابد أن يكونوا كذلك عندما يأوون الى إمامهم الموصوف (بكهف الورى)، فهم لما يفرون إليه ويلجأون إليه لينيلهم من رحمة الله تعالى التي تجلت به صلوات الله عليه.
ثانياً: قولهم {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}
هنا لأنهم يدركون أنهم أصحاب مسؤولية، ولهم رسالة عليهم أن يوصلوها لأهلها، وعليهم دور لابد أن يكونوا مستعدين لتأديته، لأجله قد دخلوا الكهف، ولأجل القيام به سيبعثهم ربهم من جديد، هم يطلبون الرشاد والبصيرة قبل أي شيء كالمناصب والحاكمية.
ولأجل إخلاصهم هذا وصدقهم وعلو حسهم بالمسؤولية، تصف الرواية أحوالهم بأنهم سيكونون أنصارا وحكام في دولة الإمام المُنتظرةِ (عج)، كما ورد عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يخرج مع القائم(عليه السلام)... خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، .... فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً»(١).
وهكذا أصحاب الامام (عج) لما يلجأوا للإمام (عج) هم يلجأون إليه لا لكي يبقوا في حصنه آمنين من ابتلاءات الدنيا وصعوباتها، ومسؤوليات الحياة واختباراتها، بل هم يأوون إليه ليسارعوا فيما بعد لخدمته، ليتسابقوا في قضاء حوائجه في غيبته قبل ظهوره، كما يعاهدونه في دعاء كل صباح بقولهم: [اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَالذَّابِّينَ عَنْهُ، وَالْمُسَارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ، وَالْمُحَامِينَ عَنْهُ، وَالسَّابِقِينَ إِلَى إِرَادَتِهِ، وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ].
فنحن نطلب العون ليس لنرتاح ونستكين، ونكسب الوجاهة والكرامة بصحبته ونيل القرب منه (عج) بل لنكون أهلاً لتأدية دورنا كمنتظرين، أن نكون من المدافعين عن منهجه والناشرين لقضيته- التي هي قضيتنا- غير متعلقين بأشيائنا وهمومنا وطموحاتنا الشخصية؛ فنسارع في قضاء حوائجه ونقدمها على حوائجنا.
أن تكون إرادته لنا هي ما نريد، فمن يكون طوع أمر إمامه ويكون طموحه أن ينال صحبته (عج)، وليكون جنديه وخادمه وتحت قيادته لا شك أنه سينال الحُسنين بين يدي إمامه، أولها الانتصار على النفس وثانيها بذلها في سبيله.
اضافةتعليق
التعليقات