لحظات الجب وسقوط الروح إلى أعماق الحزن هي حكاية رويت لنا على مدى السنين وتعيد نفسها كل عام وتخبرنا كيف ضحى الأحد عشر كوكبا بقمرهم وقرروا أن يمضوا بقيتهم الباقية في ليل معتم وعويل مؤلم ونهار لاحلاوة فيه يقتله الحزن المظلم حتى أضحوا عبرة تسير مع الأجيال كقصة إخوة رموا أخاهم، هي قصص خلدها التاريخ بكل تفاصيلها وترجمها خطاً وصورة حتى واكبت عصرنا فأضحت مسلسلا يروى بين الفينة والأخرى، مما طبع فينا حجم ألم الضحية وفقدنا حرف التاء المبهم الذي كان يسقط في أحضان الكلمة فتصبح تضحية.
بينما تدور عدسة التاريخ وتقفز عدة سنوات حتى تجاري ورثة النور الإلهي وحجم ترجمة التضحية في سبيل الاخوة كيف كانت، من عمق سماوي تتفرع شجرة معطرة كل ورقة فيها تروي قصة حتى تصل لجذر الشجرة فتجدها مسك وعنبر اختلط بحباة الهيل مخطوط عليها: (وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) كَالصِّنْوِ مِنَ الصِّنْوِ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ).
إن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يدل على أنه كان بمنزلة الأخ الشقيق لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهذا الوصف واللفظ لا يطلق إلا على هذا النوع من الأخوة وما يؤكد ذلك المعنى اللغوي، وأيضا تشبيها في قوله (كالصنو من الصنو) أي كلاهما (صلوات الله عليهما) هو كالصنو لصاحبه، وهذا التكرار والترتيب والنسبة تشير إلى تحقق المعنى المراد من الأخوة المطلقة.
ثم يردف قوله بما يؤيد ذلك فيقول (والذراع من العضد) أي لا انفصال بينهما في هذا الأخوة المترابطة كترابط الذراع والعضد، ثم ازهرت هذه الأيام سبب بقاء الأمة وشموخها وامتداد سلطانها وانتشار مُثلها العليا حتى تصل إلى جميع الدنيا، لتملئها قسطاً وعدلاً، ولتتواصل مسيرة النور والهدى التي بدأها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والتي مهد لها كل الأنبياء والرُسل، فلم يكن ما جرى في حادثة الغدير صدفة أو إرادة شخص بعينه، وإنما هي إرادة سماوية جرى حكم الله سبحانه فيها منذ الأزل، وقد لازمت مسألة الإمامة والولاية لعلي (عليه السلام) عمر الرسالة الإسلامية منذ باشر الرسول الكريم بتبليغها في أول مجلس مع كبار قريش وساداتهم، وتوالت المواقف التي يصدح بهذا التبليغ فيها كلما مرت الأمة الإسلامية بحادث أو موقف، وهي أبرز مثال ليستمد الناس منها عبرة إنما الإخوة رباط قوي لا يفرقه هبوب رياح مؤقتة.
كلنا مررنا بمواقف في حياتنا لكن كثيرا ما تلازمني أحاديث لجدتي بلهجة عامية ترويها على سبيل النصيحة حين قالت ذات مرة: (لا تحچي بالگطع والصغار گعود الكبار تنفي الصغار تعود)، حكمة بدأت أفهمها مؤخرا بعدما ابتعد الناس عن الدين وأصبح الصغار يستمدون تربيتهم من متصفحات الانترنت لدرجة لو سألتهم عن قريب لهم لما عرفوا وما عاد للوصال في أذهانهم من معنى سوى وصال الشاحن بالهاتف.
فكيف سيكون حال الأعوام القادمة بجيل وضع الإخوة على صحن من معدن صدأ بينما كان مكانه ذهب خالص ومثاله أمام للمتقين وصراط مستقيم، بكل بساطة نحن لا نحتاج لطبيب نفسي أو عالم في الاجتماع بينما بين أيدينا قصص من سلاستها وسهولة طرحها وعمق عبرتها تغير كيان كامل للإنسان حتى يشعر أنه كان في مامضى مخدر بلا وعي، وبما أنه لكل منا وجهة نظر مختلفة ويرى الروايات بعينه هو وربما تختلف عنده نقاط الشد والتراخي من قصص الأئمة الأطهار ومواقفهم، ولا نخوض بتفاصيل أحداثها فقد باتت المؤلفات شاخصة بها بقدر تقصي القرائن التي رافقت تلك الأحداث، المادية منها والمعنوية لتصب جميعا في تصوير هالة ذلك الإعلان الإلهي، ولو أن أحدا قرأ واقعة غدير خم بقلب ومعنى سيكون السؤال له كالتالي:
ماهي العبرة التي اكتسَبتها من غدير خم؟
اضافةتعليق
التعليقات