قال تعالى: ((قل كل يعمـل على شاكلته)) فما هي الشاكلة؟ وما هو تعريفها؟
تعرف (الشاكلة) مأخوذة من الشكل بالفتح أو من الشكل بالكسر، وحيث إن الشكل بالفتح له معنيان فمجموع المعاني ثلاثة:
المعنى الأول: التقييد فإنه أحد معنيي الشكل بالفتح، يقال مثلاً: شكلت الدابة أي قيدتها وربطت رجلها مثلاً، كما يقال شكلت الكتاب أي أعجمته أي قيدته بالإعراب ووضعت عليه الحركات (كي لا يسترسل الجاهل فيقرأه كما شاء) والشكال بالكسر هو عقال الدابة وشد قوائمها بالحبل والشاكلة بهذا المعنى تعني الكوابح والقيود الداخلية التي تمنع الإنسان من أن يقول شيئاً أو يمارس فعلاً أو يتخذ موقفاً أو يعتنق مذهباً أو غير ذلك فهل الآية الشريفة تعني ذلك؟
أي أن كل شخص يعمل حسب النفسية وكوابحه الداخلية وأن الحواجز والقيود والموانع الذاتية هي التي ترسم اتجاه حركته وأعماله فيسير في طريق معين مرسوم سلفاً ذلك الطريق المشرع أمام النفس مقابل البدائل الأخرى المغلقة في وجهه.
المعنى الثاني: الشبه والنظير، وهـو مـن معاني الشكل بالفتح، كما قال تعالى: ((هذا ليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج))(1) أي نوع آخر مـن العذاب الإلهي مشابه للعذاب الأول، فقوله تعالى: ((قل كل يعمـل على شاكلته)) يعني على حسب سنخه أي أن عمله مناظر لشخصيته ومشابه لها، فإن الجوارح إنما تنسج على طبق الجوانح، وأن الظاهر حاك عن الباطن، وأن العمل مظهر والشاكلة هي المخبر، فالشاكلة النفسية تدفع الإنسان باتجاه أعمال وأفعال ومواقف وقرارات مشابهة لها ومسانخة ومتجانسة معها.
كما يحتمل في الشاكلة أن تكون مأخوذة من الشكل بالكسر، وهذا هو: المعنى الثالث: الشكل بمعنى الهيئة، وعليه: فإن ((قل كل يعمـل على شاكلته)) يعني على حسب هيئته النفسية، أي على حسب صورته المحسوسة أو المتوهمة، وهو قريب من المعنى الثاني.
وعلى ذلك كله فإن (الشاكلة) تستبطن المعاني الآتية: النية ـ كما ورد في الرواية ـ الطبيعة، الخليقة، السجية، الملكـة، الحالات النفسية، المزاج، البنية، المذهب والطريقة؛ ولذا يقال طريق ذو شواكل أي تتشعب منه عدة طرق والشواكل من الطرق ما انشعب من الطريق الأعظم، كما تستبطن الشاكلة العقل الباطن أو اللاواعي كما سيأتي، فالمستظهر هو أن الشاكلة تشمل تلك المعاني كلها.
الشاكلة الجسدية ودلالاتها
لقـد تـطـرف بعـض العلماء حيـث ارتأوا بـأن (الشاكلة) تعني أو تشمل الشاكلة الجسدية وأن أعمال الإنسان وليـدة خصوصياته الجسمانية كما تطرف بعضهم عندما ارتأى بأن الخصوصيات الجسدية هي دلائل وعلائم أكيدة على شخصية الإنسان؛ ومن الغريب جداً في هـذا الحقـل مـا ذهـب إليـه الفخـر الـرازي في كتـاب (الفراسـة) مـن التحليـل للشخصيات على حسب سمات الوجه! فقد ذهب إلى تحليل الشخصية حسب شكل الجبهة فقال: من كان مقطباً لجبهته مائلاً إلى البسط فهـو غضوب! مـن كانت جبهته صغيرة فهو جاهل! من كانت جبهته عظيمة فهو كسلان وغضـوب ومن كانت جبهته كثيرة العضوية فهو صلف، من كانت جبهته منبسطة لا غضون بها فهو مشاغب!
وذهب إلى تحليل الشخصية حسب شكل الحاجب فقال: الحاجب الكثير الشعر يكون صاحبه كثير الهم والحزن، غث الكلام، وإن كان حاجبه يميـل مـن ناحية الأنف إلى أسفل ومن ناحية الصدغ إلى فوق، فإنه صلف أبله!
وذهب إلى تحليل الشخصية حسب شكل العين فقال: عظمت عينه فهو من كسلان! من كان عيناه جاحظتان فهـو جاهـل مهذار! من كانت عيناه غائرتان فهـو خبيث! من كانت عيناه غائرتان قليلا فنفسه نبيلـة! مـن كانت حدقته شديدة السواد من فهو جبان! إذا كانت العين حمراء مثل الجمر فصاحبها غضوب مقدام! من كان لون عينيه أزرق أو أبيض فهو جبان! من كانت عيناه بلـون الشراب الصافي فهو جاهل! كانت عيناه بارزتان فهو وقح! من كانت عيناه موصوف وفتان بالصفرة والاضطراب فهو جبان! من كانت عيناه زرقاء كتلك التي تكون في زرقتهـا صـفرة كأنها صبغت بالزعفران، فإنها تدل على رداءة الأخلاق!
تعريفات علماء النفس للشاكلة:
وقد يقال: إن (الشاكلة) هي نفس (الشخصية) بالمعنى العرفي، وبشكل أكثر دقة هي نفس (الشخصية) حسب مصطلح علماء النفس وقد عرفها علماء النفس بأكثر من أربعين تعريفاً ننتخب منها أربعة:
أولاً: (الشخصية: هي مجموعة من الصفات الجسدية والنفسية الموروثة والمكتسبة ومجموعة من القيم والتقاليد والعواطف).
أقول: (القيم) مثل قيمة العدالة والرحمة والإحسان وغيرهـا فمن شاكلته النفسية الرحمة والإنسانية فإن تعامله مع الفقراء والمساكين والأيتام والضعفاء بشكل عام يكون على نحو مختلف تماماً عمن تُشكل القسوة والظلـم شـاكلته النفسية؛ ولذا نجد أمير المؤمنين (عليه السلام) المظهر الأسمى للشاكلة الإنسانية النموذجية حيث ذلك الألوف من مواقفه التي تفيض إنسانية ونبلاً ورحمة ولطفاً، ويكفي أن نشير إلى قوله (عليه السلام):
ما إن تأوهت من شيء رزئت كما تأوهت للأطفال في الصغر
قد مات والـدهـم مـن كـان في الثائيـات وفى الأسفار
ونجده يصرح تصريحاً قد لا يهضمه أبدأ من ليست شاكلته النفسية الرحمة والرقة والإحسان، «وقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلهـا وقلبها وقلائدها ورعاثهـا مـا تمنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم كلم ولا أريـق له دم، فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان عندي به جديراً...»، فمجرد سماع مثل هذا الخبر يكفي في منظار إمام الإنسانية الخالد لكي يتمزق الإنسان ألماً حتى يموت كمداً.
ثانيـاً: (الشخصية: هـي المجمـوع الكـلـي للأنماط السلوكية الظاهرة والكامنة؛ المقررة بالوراثة والمحيط).
ثالثاً: (الشخصية: هي مجموع المفاتيح التي تقرر متى يستجيب الفرد؛ وكيف يستجيب ونوع الاستجابة).
رابعاً: (الشخصية: هي تلك السمات والانساق الفردية الثابتة نسبياً؛ والتي تبلورت عبر الزمان على شكل نمط يميز الفرد عن غيره).
اضافةتعليق
التعليقات