يتعثر التاريخ منذ ولادة البشرية الى يومنا هذا بشخصيات ظلمت وحاربت الحق وسفكت الدماء وكانت سببا في انحراف الأمة عن مسيرها الإنساني الذي وضعه الله تعالى للبشر.
ولكن في مقابل الباطل كان يقف الحق دائما بكامل قوته وإرادته الإنسانية التي تأبى الظلم، حاملا بيده سيفا للمحاربة ودرعا للصد والمقاومة، فقد ترسخت أسماء كثيرة قاومت الباطل وثارت عليه وحاربته مثل غاندي وجيفارا، ونيلسون مانديلا وغيرها من الأسماء التي وقفت بوجه الظلم سواء بموقف او كلمة او سلاح واستطاعت ان تسجل لنفسها موقفا في التاريخ.
وكان ولايزال التاريخ زاهرا بشخصيات استطاعت ان تحارب الباطل وتثبت بصمتها في العالم، واما شريحة الشباب فكان لهم الدور الأكبر والأبرز، فالشاب المسلم المقاوم يتمتع بروحه الثورية والعقيدة السليمة والفكر المنفتح والموقف الثابت منذ الأزل...
ولكن بالتأكيد لا يصل الانسان الى هذه المميزات في شخصيته الاّ إذا توفرت البيئة المناسبة التي ساهمت في بناءه ونموه ليصبح انسانا سويا ذات معتقدات إنسانية ودينية راسخة، ويتمتع بأفكار ورؤى تختلف عن باقي جيله، ولعل تحديد القدوة يلعب دورا أكبر في توجيه شخصية الانسان منذ صغره وحتى هرمه..
فالطفل الذي يرى الشخصية الكارتونية كبطل ويضعه قدوة له بالتأكيد يود أن يصبح مثله بطلا، وكذلك بالنسبة للفتاة التي تعجب بدمية جميلة ونحيفة وتراها قدوة لها بالتأكيد تود ان تصبح مثلها جميلة ونحيفة، فالقدوة تلعب دورا كبيرا في ماهية الانسان وتوجيه افكاره ومبتغاه المستقبلي... اذن من المهم جدا ان نختار الشخصية المناسبة التي نريد ان نقتدي بها نحن او أطفالنا وذلك لما لها من تأثير كبير علينا وعلى بناء شخصيتنا من أفكار وأسلوب وطريقة عيش وغيرها من الصفات التي يتكون منها جوهر الانسان بحد ذاته.
ولعل من أبرز الشخصيات القيادية الشابة المقتدى بها والتي كان لها تأثيرا كبيرا في العالم، ورسخت اقدام الحق في التاريخ وساهمت في الحفاظ على القيم الإسلامية ودحضت الباطل وحاربته حتى اخر رمق هو الامام الجواد (عليه السلام)، فما يلفت النظر في شخصيته الكريمة هو صغر سنة مقابل الكم الهائل من المواقف المهولة له في نصرة الحق.
ففكرة ان يستطيع الانسان للوصول الى هذه الشخصية ذات الركائز الثابتة، والمواقف القوية يحتاج الى مؤهلات عالية، ففكرة ان يهز شاب عشريني عروش المشايخ والأمراء في ذلك الوقت هو امر مثير للحيرة، فالعزف بحد ذاته على أوتار الحق يثير مخاوف أهل الباطل.
فكيف لو كان الواقف بوجههم هو شخص من ذرية الرسول الاكرم وقالع باب خيبر، فقد قضى الامام الجواد سنواته في جهاد الكفر والباطل وقد تولى القيادة الإسلامية منذ صباه واستطاع ان يحارب أعداء الله حربا قاسية حتى صار وجوده غير قابل للتحمل بالنسبة لهم، وما كان منهم الا الغدر وتسميمه في سن الخامسة والعشرين!
مواجهة القوة المضللة في قرن واحد وعشرين:
هنالك تشابه كبير بين زمن الامام الجواد (عليه السلام) والزمن الذي نعيشه اليوم، ففي زمن الامام عليه السلام لعب العدو على وتر التضليل والتشويه، فقد كان العدو يخرج للناس برداء الحق، ويتحدث بلسان الحق بينما هو في داخله يحمل نوايا الباطل ويريد بالناس والدين شرا.
فقد كان من أبرز ادواره هو توضيح صورة الباطل وتشهير نواياه للناس، وبث الوعي في نفوس الناس لمواجهة القوة الباطلة والمضللة.
فلو كان العدو يواجهنا بشكل علني وصريح وواضح لكان العمل أسهل مثلما حصل مع جيفارا وغيرهم من المقاومين الذي كان العدو في زمنهم واضحا، ولكن عندما يصنع العدو لنفسه صورة من القداسة والتأييد مثلما كان يفعل المأمون في زمن الامام الجواد، تكون معرفته صعبة للناس...
في هذا العصر وفي العصور التي مضت يسعى الأقوياء دائما لأساليب الاحتيال والرياء والنفاق عندما يكونون عاجزين عن مواجهة الحق.
فدورنا اليوم كشباب مسلمين واعيين ومقاومين وعارفين للحق هو إزالة قناع التزوير والرياء عن وجه العدو مثلما فعل الامام الجواد عن إزالة القناع من وجه المأمون ونجح في ذلك.
وفضح كل الأهداف التي يسعى اليها العدو للوقوع بالناس من خلال زرع الأفكار والمعتقدات التي تهدف الى نخر الإسلام من الداخل.
فالعدو يريد أن يهدم كيان الاسرة المسلمة فماذا يفعل؟، لا يستطيع ان يقول بوجه المرأة اخرجي للعمل من الصباح الى المساء واتركي بيتك وعائلتك واطفالك بلا رعاية ولا مراقبة، بل يقول لها (ان المرأة متساوية مع الرجل ومن حقها ان تعمل مثلما يعمل هو) ولا يستطيع ان يقول للرجل لا تنجب أطفالا كثيرة، لأن كثرة الأطفال يعني كثرة المنظومة الإسلامية وكثرة الاعداد يعني قوة الإسلام وهذا يشكل خطرا كبيرا علينا، بل يقول (الأطفال يستحقون حياة مرفهة وجميلة وكثرة الأطفال تحرم افراد العائلة من الرفاهية والراحة)، ولا يستطيع ان يقول للفتاة انزعي الحجاب وكوني سلعة رخيصة اجذبي الرجال وانحرفي وانشغلي بالحفلات والأمور التافهة حتى تكوني في المستقبل ام فاشلة ولا تعرفي كيف تربي الجيل ويكون اولادك في صفنا بدلا من ان يكونوا عدونا بل يقول (دعي رأسك يتنفس، فالحجاب هو امر ثانوي، والله يريد منكِ قلبا متحجبا وليس جسدا متحجبا!)
هكذا يسعى العدو الى هدم كيان الأسرة، لأن المجتمع يتكون من الأسر وهدم الاسرة يعني هدم المجتمع، وهدم المجتمع الإسلامي يعني هدم الدين!، فعندما ننزع قناع العدو امام الناس، سيعرف العالم الاعيبهم ولن يصبحوا ضحية بأيديهم، وهذا الدور الذي قام به الامام الجواد عليه السلام في ذلك الوقت، فقد واجه العدو المضلل ووجه الناس نحو طريق الحق وكشف رداء الباطل لهم، فقد قام المعصوم بدورين الا وهما مواجهة العدو وتوعية الناس وهو امر صعب للغاية ويحتاج الى البصيرة والعزم، وعدم الانقياد الى الاهواء والمغريات التي يقدمها الغرب على اطباق من ذهب فإنها تحوي بداخلها السم فقد وصانا الامام الجواد (عليه السلام) وقال: "من أطاع هواه أعطى عدوّه مناه.". (بحار الأنوار)
اضافةتعليق
التعليقات