كثيرًا ما يُطرح بل وما يروج له لتنفير الناس من فكرة ظهور إمام آخر الزمان، هو هذه النظرة الأحادية لما سيقوم به الإمام عند الخروج كرواية: «وأما شبهه من جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) فخروجه بالسيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله (صلى الله عليه وآله)، والجبارين والطواغيت، وأنه ينصر بالسيف والرعب، وأنه لا ترد له راية»٢.
فالنظرة هنا على إنه إمام دموي، وسيقتل من لا يطيعه، ودولته ستقوم على سفك الدماء؟! وغيرها من التفسيرات التي تُصور للناس ما ينتظرونه، حتى وصل الأمر بالبعض أن لا يكون من المتشوقين والمترقبين لمجيئه، ولرؤية دولته، على أثر ذلك.
فمع كل هذا الظلم والجور والإستضعاف، هم بلا شك يتأملون ويترقبون مجيء من ينصرهم وينصفهم ويوفر لهم الأمن والأمان، وهذا حق مشروع، ولكن من المفترض أن يكونوا أيضا بمستوى من الفهم والدراية والنظرة الشاملة لخروج الإمام وطبيعة قيامه.
هنا للإمام الرضا (عليه السلام) كلمة يصف بها الإمام المنتظر(عج) بالشكل الذي يُحدث توازن لا إفراط ولا تفريط في الصورة التي يجب على الناس رسمها وتصورها عن إمامهم، بقوله: «يكون رحمةً للمؤمنين، وعذاباً للكافرين»1.
إذ إن تشيد دولة العدل والسلام تتطلب التخلص من كل ظالم عدائي كي لا تبقى بذور الظلم والشر في الأرض، ليتحقق الاستخلاف للمؤمنين، وهذه حقيقة قرآنية توعد الله تعالى بها كل طاغية وظالم، وإنما الإمام بذلك ينفذ وعد الله تعالى، كما في قوله تعالى: }وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ{ آل عمران: 141.
وقوله تعالى: }يُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{(الانفال: 8)، وقوله تعالى: }بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ {(الانبياء:18)، وقوله تعالى: }وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ{ (الشورى:42)، فهل هذه آيات عنف، أم وعود تسيّد الحق، وإنشار السلام والأمان في الأرض؟
ولهذا وصف الإمام في دعاء الندبة بأنه] قاصِمُ شَوْكَةِ الْمُعْتَدينَ، هادِمُ اَبْنِيَةِ الشِّرْكِ وَالنِّفاقِ، مُبيدُ اَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ، حاصِدُ فُرُوعِ الْغَيِّ وَالشِّقاقِ (النِفاقِ)، طامِسُ آثارِ الزَّيْغِ وَالاَهْواء،ِ قاطِعُ حَبائِلِ الْكِذْبِ وَالاِفْتِراءِ، مُبيدُ الْعُتاةِ وَالْمَرَدَةِ، مُسْتَأصِلُ اَهْلِ الْعِنادِ وَالتَّضْليلِ وَالاِلْحادِ،...، [لأن الثمرة من ذلك هو إنه[مُـعِزُّ الاَوْلِياءِ، جامِعُ الْكَلِمَةِ (الكَلِمِ)عَلَى التَّقْوى، مُؤَلِّفُ شَمْلِ الصَّلاحِ وَالرِّضا..]
ثم إن الحروب التي سيخوضها الإمام ستكون مع الباطل لا مع كل الناس، لأجل قلع شجرة الباطل من جذورها، لتبقى فقط شجرة الحق والخير. لذا الإنسان الواعي لا ينظر لما سيقوم به الإمام من حروب وقتل وقلع واجتثاث على إنه إمام قاسي، وقائد مرعب بل للين والرأفة محل، وللغلظة والشدة والقوة محل.
بالنتيجة كل من يرفض فكرة قتل الظلمة هو بذلك يقف في تلك الجبهة، وهو يريد بقاء أهل الظلم والطغيان، وموقف الإمام سيكون واضح منه، فمن لا يعود إليه ويتوب فمصيره القتل معهم، لأنه فرع أو غصن من تلك الشجرة الخبيثة.
كما إن ميزة القائد الإلهي المعصوم أنه لا يظلم، ولا يبتدئ أحد القتال، ولم يرسله تعالى ليقتل ويسفك دماء الناس بلا وجه حق!! بل إن الأعداء هم متربصون به وينتظرون خروجه ليقتلوه، فالمسألة في النهاية هي مسألة صراع للبقاء بين أصفياء الله وأولياء الشيطان، وما قتال الإمام لهم ابتداء إنما دفاعًا عن بقاء شجرة الحق ولتشييد دولة أهل الحق.
وإن من لا يتقبل أو يدعي أنه لا يتصور صحة وجود هذه الجنبة في شخصية الإمام -لعله- لأمر نفسي فهو إما خائف أن ينتدبه الإمام فلا يلبي، وهذا يحتاج إلى أن يعمق حُب الإمام أكثر في وجوده، ويهيئ نفسه ويقوي جوانب الضعف كحب الدعة والراحة والتعلق بالدنيا ليكون من أهل التلبية.
أو أنه ممن لا يريد أن يلبي لأنه لا يريد أن يُقتل، إنما يريد أن يشهد دولة الإمام (عج) التي يرى فيها جانب العيش الرغيد والهناءة والجاه والوجاهة، وهذا ممن يحتاج إلى أن يعمق الجانب المعرفي لوجوده أي وجوب التسليم والطاعة للإمام في أي أمر ومصلحة هو يراها له، لكي لا يصدر منه إلا الامتثال، وأن يتقبل أي حال سيكون فيه طالما أنه يكون تحت راية إمام زمانه، وتحت إمرته.
فإن استشهد بين يديه ولم يشهد دولته، فهو قد نال الخاتمة الحسنة، وهي المحطة التي لابد له أن يحط رحله بها، إن طال الزمن أو قصر، فما هو مهم بأي حال هو سيغادر، وإلى أين سيؤخذ هل إلى جنان الخلد أم لغيرها.
كما إن وجود هاتين السمتين (الشدة واللين) نحن أيضا نحتاج إلى أن نلتفت إلى أنفسنا لنربيها على هذا المستوى، أي أن تكون متزنة في سلوكياتها، فلا نكون من أهل التسامح حتى مع أهل الباطل، ومن أهل التقبل حتى للخطأ، فهذا ضعف وليس كما يزينونه ويجملونه بعبارات الحرية والإنسانية.
بل نتقبل الصحيح، ونعترض على الخطأ، نتعامل بحزم مع كل انحراف فلا نسمح له أن يتسلل لحياتنا، وذلك لنتأسى بإمامنا أولاً ونكون من أهل الأمر بما يريد الله تعالى، والانتهاء عما نهى، هذا من جانب. ومن جانب آخر كي لا نجد أنفسنا في يوم من الأيام من حيث لا نشعر على أثر مجاملة هنا، وتقرب من هناك، وتبرير من هنالك قد أصبحنا في ذلك الخط الذي عندما يظهر الإمام سيحاربه، ويقلع الجذور.
اضافةتعليق
التعليقات