كان ولازال الغرب يعتبر الكنيسة هي كيان ذي رسالة روحية فقط ولا علاقة لها بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فأصبح المفهوم الديني عندهم مرتبطا بالإيمان المغلق الذي لا يتعدى حدود الكنيسة.
فأصبح ارتياد الناس إلى هذا المكان المقدس من أجل إجراء طقوس الولادة والموت والزواج فقط، بينما بقيت تفاصيل الحياة اليومية فارغة من الإيمان ومن مفاهيم الدين المسيحي.
وأدى انفصال الدين عن الدولة في العالم الغربي إلى تأطر المسيحية بين جدران الكنيسة ولأن الغرب يتفنن في تصدير الثقافة والأفكار الغربية إلى الشعوب العربية من البديهي أن نرى تداعيات كثيرة لفصل الدين عن الدولة والمطالبة بدولة علمانية بحتة تشابه الثقافة الغربية في كيانها.
لماذا العلمانية تحارب الإٍسلام؟
إن المطالبات الكثيرة التي تحصل اليوم في فصل الدين عن الدولة ليست إلاّ مرآة عاكسة لهذه الثقافة الغربية الدخيلة التي تحاول أن تبين للعالم بأن الدين الإسلامي ليس إلاّ عائقا أمام تطور البلاد وازدهارها، ويجب أن يبقى محصورا بين جدران المسجد، وإذا قمنا بدراسة الرؤى التي على أساسها تتبنى هذه الشخصيات الأفكار التي تشجع فصل الإسلام عن الدولة سنجدها تعود إلى الصورة المشوهة التي رسمها الغرب للإسلام.
ويعز عليّ أن أقول بأنها ثقافة دخيلة لأنها بالأصح ليست إلاّ مؤامرات واضحة لدحض الدين الإسلامي عن الوجود، وضياع الهوية الحقيقية لأنهم يعرفون مدى قوة التأثير العقائدي الذي يتركه الدين على فطرة الإنسان، ومدى الثورية البالغة التي من الممكن أن تولد لدى الأمة في الموضوع الذي يضم الإتجاه الديني.
فمع كل النظريات الشرقية والغربية واليمينية واليسارية والشيوعية والرأسمالية التي جربها الناس عرفوا وتيقنوا بأنهم لم ولن يجدوا ضالتهم إلا بالإسلام الذي شرعه الله عز وجل ليكون صالحاً لكل زمان ومكان وهو الدين الذي ارتضاه للبشرية جمعاء وحقق لهم من خلاله دستورا كاملا وشاملا لجميع تفاصيل الحياة.
ماذا فعلت العلمانية بالمجتمعات الغربية؟
عندما نعود إلى العالم الغربي العلماني وندرس الوضع الإجتماعي نجد التفكك والإباحية والفوضى الأخلاقية، وتهديم بنيان الأسرة التي تمثل النواة الأولى في البنية الإجتماعية وهذا كله بسبب العلمانية التي خلفت عملية فصل الدين عن الدولة والتي كانت نتائجها:
- القوانين الوضعية التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها: والتي تكون سببا أساسيا في إنحراف الكثير من أفراد المجتمع الذين أمنوا العقاب فأساءوا التصرف.
- محاربة وسائل الإعلام للقيم الفاضلة: فتراها لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة ونشر الرذيلة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال البرامج والأفلام التي تنشر وتذاع على المحطات التلفزيونية ومواقع التواصل.. الخ.
- محاربة الحجاب: وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات، ونبذ المسلمين وتشويه صورتهم وتقييد حركتهم وهذا ما يحصل اليوم في فرنسا علنا.
- تجويز فتح محلات الخمور والمساج والنوادي الليلية: والتي تهدف إلى انحراف الجنسين وتساهم في نشر الرذيلة وتهديم القيم الإنسانية دون أي رقابة أو محاسبة.
- استخدام المرأة تحت غطاء الحرية ومساواتها مع الرجل: في مجالات العمل غير اللائقة أو لإعلانات أو العمل في النوادي الليلية ومحلات المساج وغيرها من الأعمال التي تعرضها للانتقاص والإهانة.
- تحويل صورة الزنا من الرذيلة إلى حق شرعي: من خلال ممارسته من قبل أي شاب وشابة دون اعتراض أحد سواء الدولة أو الأسرة، "وقد ترتب على هذه الحرية الفاسدة، أن أكثر من 48% من طالبات المدارس الثانوية في الولايات المتحدة حملن سفاحاً، وذلك حسب ما نشرته جريدة الأحد اللبنانية، وأن معظم بنات المرحلة الإعدادية والثانوية بأوروبا وأمريكا فقدن عذريتهن تحت سمع وبصر ذويهم بل وبتشجيع من أسرهم مما ترتب عليه انتشار ظاهرة أبناء السفاح وانهيار قيم الأسرة، بل أدى الانفتاح الجنسي بهذه الصورة إلى موجة من البرود الجنسي اجتاح الغرب بصورة عامة، وهذا ما أكده الدكتور جون كيشلر أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو، حيث قال إن 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي، وإن 40% من الرجال مصابون بالعقم، وقال الدكتور إن الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي، كما أن هذا الانهيار الأخلاقي أدى إلى انتشار الخيانة الزوجية بصورة لم يشهدها تاريخ البشرية من قبل، وهذا ما أكدته صحيفة الشرق الأوسط حيث أكدت على أن 75% من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوروبا، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشيء ذاته، وأن من 80% إلى 85% من الرجال البالغين قبل الزواج كان لهم علاقات جنسية محرمة. بحسب (اليوم السابع)
فهل تتوافق هذه الأمور مع مبادئ الدين المسيحي؟ بالتأكيد لا إذ إن الدين المسيحي مثله مثل باقي الأديان التي أنزلها الله لتحفظ كرامة الإنسان وتخلق له نظام حياة لائقة وتحصن المجتمع من الرذيلة والوقوع في المعاصي... وما يحصل اليوم هي فضيحة للواقع الإجتماعي المتردي التي تمر بها دول الغرب تجاه النظام العلماني الذي أوجب فصل الدين عن الدولة وحصرته بين جدران الكنيسة وسمحت للرذيلة أن تأكل بنية المجتمع تحت مسمى الحرية! وها هي اليوم تحاول أن تصدر أفكارها السامة إلى العالم وتدس السم بالعسل وتنال من الإسلام بطرقها الخبيثة من خلال نشر الرذائل والانحطاط وتفكيك الأسر ومسح مفهوم الحرام والحلال من أذهان الشباب حتى تستفحل الرذيلة في المجتمع وتضيع الهوية الإسلامية في العالم بحجة التطور والتحرر!.
فما نحتاجه اليوم هو أن نفتح آفاق التفكير ونعرف تدابير العدو ولا نكون ضحية الثقافات الدخيلة التي تحاول أن تغير من معتقداتنا وتشوه إسلامنا وتصدر أفكارها لنا تحت إطار الحرية الكاذبة.. وتكون لنا التجربة المسيحية هي خير دليل وبرهان على أهمية وجود النظام الإسلامي في العمق المجتمعي كله.
اضافةتعليق
التعليقات