من منا يرغب أن يكون من قساة القلب؟ بلا شك، لا أحد.
ومن منا لا يرغب أن يطمئن أنه من أصحاب القلوب اللينة؟ بلا شك، الجميع.
أما مفتاح معرفة ذلك فهو ما ورد عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، أنه قال: نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الحسين بن علي (عليهما السلام) وهو مُقبِل، فأجلسه في حجره وقال: "إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا، ثم قال (عليه السلام): بأبي قتيل كل عبرة، قيل: وما قتيل كل عبرة يا بن رسول الله؟ قال: لا يذكره مؤمن إلا بكى"(١).
وما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب"(٢)، فهذه الحرارة من أسباب تلين كل قلب قاس، وما بكاء العين إلا علامة على لين قلب صاحبه.
ثمرة حرارة القلوب وبكاء العيون
إن النبي (صلى الله عليه وآله) عبر بأنها [لا تبرد أبدًا]، وهذه نعمة إلهية مَنَّ بها تعالى علينا، وخصيصة اختص بها سيد الشهداء (عليه السلام) ليكون تجليا لرحمة الله تعالى ورعايته وحفظه لعباده المؤمنين، فالإمام الحسين(عليه السلام) كالحصن الذي لا يتمزق بل يظل محيطا بقلب ذلك المؤمن المرتبط به إلى ما شاء الله.
إذ إن وجود هذه الحرارة فيها إشارة لوجود مايشبه المنبه الداخلي الذي يجعل صاحبه من المتيقظين في مواطن الغفلة، وليس مِن المنشغلين في الدنيا كغيره، وهذه من موجبات حفظ القلب من القسوة الموجبة للبُعدِ عن الله تعالى.
كما إن المُحب المتفجع والباكي على الإمام الحسين (عليه السلام) لابد أن يأخذ من محبوبه شيئا، ولابد أن تثمر تلك الحرقة وذلك البكاء؛ فتذيب شيئا من الشوائب العالقة في وجوده، وتغسل الكثير من أدران الذنوب التي قد لوثت طهارة ونقاء فطرته.
فليس منا أحد بمعصوم من الخطأ والزلل، ولكن هناك فرق بين من يُسارع برفعها وبين من يهملها ويسمح بتراكمها، والموجد لهذا الفارق هو ذكر سيد الشهداء؛ فحقيقة الذنوب هي الظلمة، لذا القلب إذا تعلق بمصباح الهدى، سرعان ما يهديه ليرى قبحها فينبذها؛ فيعود منيرًا بنور الإمام الحسين (عليه السلام)، طالبًا من ربه التوبة.
ارتباط حُسن الخاتمة بسلامة القلب
عندما ختم الله تعالى ذكر قصة نبيه الله وخليله أبراهيم (عليه السلام) وقدوة المؤمنين، أشار إلى علامة مهمة لحُسن خاتمته وهي تحقيق [سلامة القلب]، إذ قال تعالى: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(الصافات:84)، ولنفهم شيء من مصاديق تحقق سلامة القلوب نجدها بقوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(الشعراء:89).
فنبي الله ابراهيم الخليل (عليه السلام) كان قد [خلى] قلبه من حُبِ الدنيا وزينتها، فجاء ربه [بقلبٍ سليما]، فالآية عبرت بأنه جاء هو لربه، وهذا ما يُذكرنا به ما نُسب للإمام الحسين (عليه السلام) من أبيات قيل فيها كوصف لحاله ومقاله: "تركتُ الخلقَ طرَّاً في هواك**وايتمتُ العيال لكي اراك/ فلو قطَّعتني في الحبِّ إرباً**لما مال الفؤاد إلى سواك".
فكل من يرتبط قلبه بالإمام الحسين(عليه السلام) لابد أن يخلو ويسلم قلبه من حُب الدنيا وما فيها، فيكون محبًا لأن يَفد على ربه، غير كارها لمفارقة الدنيا. بالنتيجة إن البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) ليس عاطفة حيّة متأثرة بعظيم ما جرى عليه فقط، بل انعطافه كبيرة في حياة الباكين ليكونوا أكثر قربًا من رب الحسين (عليه السلام).
_________
اضافةتعليق
التعليقات