لا تُرى الشمس بنورها الساطع إلا إذا أحاطها شيئا من الظلام، كذلك الحقوق في بعض صورها لا نكاد نراها أو نشعر بها إلا بعد امتزاجها بمدلهمات الظلم والفقد.
كلنا ولدنا ونحن نملك حقوقاً عديدة منحها الله لنا، لكننا قد لا نعرفها إما جهلاً وتقصيراً منّا أو لأنها سلبت مّنا لأننا كنّا ضحايا قمع أسري أو سياسي أو حتى تفكيرنا اللاواعي بعدم أهميتها وجدواها.
بدءاً من منع الأطفال من الدراسة وزجّهم في أعمال لا تناسب أعمارهم الصغيرة، مروراً بإجبار بعض النساء على الزواج بمن لا تريد ومن بعدها معاملتها بأسلوب العبودية، ونهايةً بسلب حقوق الفرد في العيش بوطن حر وكريم. كل ذلك صور من سلب الحقوق وشكل من أشكالها المتعددة.
المطالبة بالحقوق والتمسك بها قضية عالمية شغلت المفكرين على طول التاريخ، وقد اختلفوا في كيفية أو أهمية المطالبة بها وذلك بحسب نوعها إن كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وعلى ضوء طبيعة المجتمع وما يحتضن من عادات وتقاليد وطبيعة حكم سياسي، وأيضاً جنس المطالب إن كان ذكراً أو انثى!.
وفي سبيل ذلك بذلت جهود كثيرة فردية وجماعية من قبل شخصيات ومنظمات من أجل الدفاع عن حقوق الانسان، وقد نجحت بعض المساعي وفشلت أخرى.
كيف تضيع الحقوق؟
نحن بعد معرفتنا لمجموعة الحقوق التي نملكها والتي يحددها ديننا الحنيف وبعض القوانين، تأتي خطوة الدفاع عنها والتمسك بها وحفظها أو استرجاعها، كيف يتم ذلك؟، يجيبنا سيد العدالة أمير المؤمنين عليه السلام، بمقولته المعروفة والتي أصبحت أيقونة يتغنى بها كل انسان أبي وحُر.
"ماضاع حق وراءه مطالب".
فعلاً، الكثير من الحقوق ماكانت ستسلب وتضيع لولا سكوت أصحابها واستسلامهم للأمر الواقع بمرارته، متناسين أن الله شرّف الانسان وأراد منه أن يعيش على أرضه بكرامة تليق بآدميته.
وهنا قد تختلف طرق المطالبة بالحقوق، فهي تارة قد تكون جهداً شخصياً وتارة تكون على شكل تحشيد اعلامي أو تعبئة للرأي العام حول قضية ما. وبالطبع قضية المطالبة بالحقوق يجب أن تتم بتعقّل وأخلاق وآداب عامة ولا تجيز العنف بأي شكل من أشكاله، فالغاية لا تبرر الوسيلة. وإن كانت الغاية نبيلة.
ماهي المعوقّات أمام المطالبين بالحقوق؟
أما ما يمنع بعض الناس للمطالبة بحقوقهم المختلفة، قد يكون عامل الخوف والركون إلى منطقة الراحة والتي يتوفر فيها السكون والابتعاد عن الصراع ومافيه من مخاطر ومجازفات، لذلك نرى أنَّ المطالبين بحقوقهم فئة قليلة، ولذلك عانى الامام علي، سيد الحقوق وسيد المظلومين من الخذلان ولم يجد 40 رجلا فقط لنصرته!، وتلوح لنا مقولته العصماء: "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه".
فالكثير منّا يخاف من الاقدام بمحاولات جادة للمطالبة بحق ما فقط لأن أعداد من قام بذلك قليلة، متناسين الوعد الإلهي: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله).
ماهي نتائج السكوت عن الحق؟
البذور التي تزرع لن يحصدها ولن يأكلها سوى أصحابها، ولن يجني الساكت عن حقه بشكل خاص وحق الآخرين بشكل عام سوى المهانة والعيش الذليل والتأخر عن ركب التطور والحضارة..
وفي هذا المطلب يقول الامام عليه السلام: "لنا حق، فإن أعطيناه، وإلا ركبنا أعجاز الإبل، وإن طال السرى".
في إحدى التفسيرات لهذه المقولة الفصيحة، توضح أنه إن لم نعطى حقنا فإننا لا نسكت عنه، وإنما نسعى من أجله ولو بأقل الامكانات، وإن كنا ردفاء في ركوبنا وكان السير ليلاً وطويلاً، لكننا لا نتنازل عن حقنا وإنما نسعى من أجله.
أما الشريف الرضي فيقول أن الذي لم يعطى حقه ذليل فالرديف هو الذي يركب عجز البعير كالعبد والأسير ومن يجري مجراهما.
وكلا التفسيرين صحيحيين، فإن سلب الحقوق يخلق حالة من التحدي، وكذلك إذا منعنا حقنا تأخرنا وتقدم غيرنا علينا، وهذا هو الحاصل في أوطاننا ومجتمعاتنا المتخلفة.
فالله قوي ويحب المؤمن القوي، وإن الذي يرفض الاستضعاف والظلم ولا يسكت عن حقه، إنه يسمو بنفسه من أن يكون شيطانا أخرسا ويسعى لأن يعيش بعزة وكرامة يبغيها المولى له.
الحديث حول المطالبة بالحقوق ذو شجون ولا يهدأ، وقد تعتبر هذه المسألة في بعض الأحيان بمثابة فريضة لأنها تدخل أيضاً في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي لا تنافي الصبر، فالامام علي صحيح أنه قال: "صبرت وفي العين قذى، والحلق شجاً، أرى تراثي نهباً".
لكنه صبر بعد أن أتمّ الحجة وقام بواجبه الشرعي في المطالبة بحقه _وهو حق الله ورسوله_ ودعا الناس إلى نصرته، كما فعلت السيدة الزهراء قبله بالمطالبة بفدك، وكما ثار الامام الحسين فيما بعد في كربلاء على يزيد، وكل نبي ووصي قام بذلك حسب ظرفه وطريقته.
وكذلك سيفعل خاتم الأئمة؛ الطالب بثأر المظلومين ومسلوبي الحقوق في كل العالم، وسيُرجع تلك الحقوق ويعيدها إلى أصحابها.
اضافةتعليق
التعليقات