في محطات الحياة الكثير من الفرص التي تمر علينا ولا نرى في استثمارها فائدة، يلتقطها العقل الذي يرسم مخططاته ويحدد أهدافه، وما إن تفوت حتى يدرك من خسرها بأنها سوء تصرف منها، أما الذي يعيش بلا أهداف فلا يراها ولا يتحسر عليها، ولا يهتم لها لذا هي من المواضيع التي أكدت عليها ثقافة أهل البيت (عليهم السلام) التي تعد منبعًا غنيًا بالإرشادات والمبادئ التي تهدف إلى ترشيد حياة الإنسان وتوجيهه نحو العيش الكريم والمثمر.
إذ أن الفرص هي اللحظات التي تتحدد فيها مسارات حياة الإنسان، وقد تبرز بأشكال مختلفة: فرص علمية، اجتماعية، دينية أو حتى معنوية. في ثقافة أهل البيت (عليهم السلام)، لأن تضييعها يعني ضياع الفرص التي قد لا تتكرر في حياة الإنسان.
1- أهمية الوقت والفرص في حياة الإنسان: كان أهل البيت (عليهم السلام) يدركون أهمية الوقت كأغلى مورد يمكن للإنسان أن يمتلكه، في العديد من أقوالهم، نجد دعوة متكررة لتحسين الاستفادة من الوقت وعدم التفريط فيه، في هذا السياق، قال الإمام علي (عليه السلام): "الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك"، وعنه (عليه السلام): "الفرصة تمر مر السحاب، فانتهزوا فرص الخير" (1).
ما يعني أن الوقت، إذا لم يتم استغلاله بالشكل الصحيح، قد يمر ويصبح جزءًا من الماضي، ولن يكون في الإمكان استعادته.
إن تضييع الفرص يعد من أكبر الأخطاء التي قد يرتكبها الإنسان، سواء في علاقاته مع الله أو مع الآخرين، فالفرص تتفاوت في أهميتها، بعضها قد يكون مرتبطًا بواجبات دينية أو أخلاقية، وبعضها قد يكون فرصة لتطوير الذات أو مساعدة الآخرين، في جميع الأحوال، تضييع هذه الفرص يعني الفشل في أداء الدور الذي خُلق الإنسان من أجله.
2- التفريط في الفرص الاجتماعية: من أبرز مجالات تضييع الفرص في ثقافة أهل البيت هو التفريط في العلاقات الاجتماعية، فالإنسان بحاجة إلى بناء علاقات سليمة مع محيطه الاجتماعي، سواء كان ذلك مع العائلة أو الأصدقاء أو حتى المجتمع بشكل عام، كان أهل البيت (عليهم السلام) يحرصون على تعزيز قيمة التعاون والتواصل الاجتماعي. وقد جاء في حديث عن الإمام علي (عليه السلام): "من لا يحب الناس، لا يحب الله". فهذا الحديث يعكس أهمية استثمار الفرص لبناء علاقات اجتماعية صحيحة، وعن الإمام الباقر (عليه السلام): بادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة، ولا إمكان كالأيام الخالية مع صحة الأبدان (2).
3- الفرص الدينية والتقوى: في مجال الدين والعبادة، تعد الفرص التي يتيحها الله تعالى للإنسان أحد أبرز مجالات التوجيه في ثقافة أهل البيت، كانوا دائمًا يشددون على أهمية اغتنام الفرص الدينية في التوبة والاعتراف بالخطأ، وكذلك في العمل الصالح، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إن لله في أيام الدهر نفحات، فتعرضوا لها" هذه النفحات تمثل الفرص التي قد تأتي للإنسان في أوقات معينة، وقد تكون فرصة للتوبة أو لتقوية الإيمان، وبالتالي، فإن تضييع هذه الفرص يعني ضياع فرصة كبيرة للتقرب إلى الله.
4- الفرص في التعليم والعلوم: الفرص العلمية أيضًا كانت محل اهتمام كبير من أهل البيت (عليهم السلام). فقد كانوا حريصين على طلب العلم وتعليمه للآخرين، ويؤكدون على أن العلم هو الطريق إلى الرفعة والسمو. الإمام علي (عليه السلام) قال: "العلم أفضل من المال، لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال". لذلك، فإن تضييع الفرص التعليمية أو التفريط في تعلم المهارات اللازمة هو أمر مرفوض في ثقافة أهل البيت، لأن العلم هو أساس التقدم والرقي في حياة الإنسان.
5- التأكيد على العمل الجاد وعدم التسويف: من أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من تعاليم أهل البيت عليهم السلام هو رفض التسويف وإهدار الفرص بسبب التردد أو التأجيل، كانوا يعظمون العمل الجاد والاستفادة من الوقت بشكل كامل، الإمام علي (عليه السلام) يقول: "من جد في عمله، كثر خيره"، هذا يعني أن السعي الجاد وراء الفرص وعدم تأجيلها هو طريق النجاح، فمن يضيع فرصة اليوم ربما لا يجد فرصة أخرى في المستقبل، وعنه (عليه السلام): الفرصة سريعة الفوت، بطيئة العود(3).
الخلاصة: تعد ثقافة أهل البيت (عليهم السلام) ثرية بالأفكار والمفاهيم التي تحث على استثمار الفرص وعدم تضييعها. من خلال تعاليمهم، يتعلم المسلم كيف يقدر الوقت، وكيف يبني علاقاته الاجتماعية والدينية والعلمية بشكل سليم. إن تضييع الفرص ليس مجرد خطأ بل هو خسارة كبيرة قد تؤثر على حياة الإنسان الروحية والمادية. لذا، فإن غرس هذه القيم في نفوس الأجيال الجديدة يسهم في بناء مجتمع قوي قادر على مواجهة التحديات وتحقيق النجاح في مختلف المجالات.
اضافةتعليق
التعليقات