أحيانا نشعر بأننا لسنا على تلك الدرجة التي يمكننا أن نصف أنفسنا بالحزن، ونعيش شعورا يجعلنا غير قادرين على تسميته، لأننا لا نعرف بماذا نشعر من الأساس، وما نعرفه فقط هو لسنا على ما يرام، وهذا ما يعتريني وما يجعلني أكلم نفسي على مدار الساعة فربما لست حزينة ولكنني ممتلئة بشعور لا أحبه ولا أقوى على وصفه فثمة شيء يخنقني بخفة إلا أنه ينكأ بي وجعاً لا يهدأ وكأنه يجيد خلقي وتشكيلي كل دقيقة ويعلم من أين تبدأ مراحل الحزن عندي فلا أعرف على أي شاكلة أنا الآن.
فألجأ إلى وحدتي بعيدة عن أصواتهم ممتلئة بحرفي وبقايا أفكاري المتناثرة بلا مأوى، وفي هذا الوقت لا نستطيع أن نمنع الأشخاص من حولنا من الكلام علينا أو تقديم النصح المستمر الذي لا نسمعه في مراحل وجعنا هذه ولكن نستطيع أن نمنع أنفسنا من التأثر بما يقولون فمفتاح عقولنا بأيدينا وليس بأيديهم، وفي الحقيقة كل ما نحتاجه بلحظات اليأس يدا تُمد إلينا فتربت على جراح قلوبنا ولحظة من الاستماع التي لا تقطع حديث حناجرنا الملتهبة فلاشك أنه عندما يصاب الإنسان ببلاء أو بحزن أو بمصيبة مهما كانت صغيرة أو كبيرة فإن وقعها النفسي سيكون شديدا عليه هو حتى وإن شعر الأخرون أن هذا الحزن بلا معنى وأن المصيبة لا تستحق هذا التأثر المفرط فهي بالحقيقة وقعها يختلف بالنسبة لصاحب الألم.
لذلك وجب الوقوف مع المبتلين ومواساتهم فالإسلام ركز على المواساة بين المؤمنين، مصداقا وعملا بقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
الهدف من المواساة وأثرها النفسي
إن المواساة في العموم ذات طابع تربوي وتهذيبي للإنسان، تبين مقياس خدمة الانسان بشكل عام للآخر فيصبح كل الوجود انعكاسا للرحمة الإلهية، وتجليا لحب الله لخلقه مبينة في وقتها معاني الايآت التي ذكرها عز وجل في محكم كتابه على هيئة بشرية تترجمها بلمسة يد ومواساة عين وحرف لطيف يهدأ روعنا كمثل قوله تعالى: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}، ومثل قوله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}، وقوله عز وجل: {ولا تحزن إنا منجوك}، وقوله: {سيجعل الله بعد عسر يسر}، ثم تجد أعظم مواساة في قوله عز وجل: {وما كان ربك نسيا}، وهنا يظهر الله سبحانه وتعالى المواساة صفة من صفاته عز وجل، وبرهان أن للمواساة أثرا مزدوجا على المبتلى وعلى من يقوم بفعل المواساة، فهي حاجة وإحساس بمعاناة الآخرين وإدخال السرور على قلوبهم خاصة الذين يعانون من البلاء والأمراض والحرمان ومختلف المصائب.
والوقوف إلى جانبهم هو بمثابة دعم وتقوية لهم وتخفيف أثر المصيبة عليهم، كما تشكل المواساة في المقابل شعورا بالمسؤولية للمواسين وأهمية أن يكونوا سببا في إخراج المبتلين من شعور الإحباط والحزن والقنوط، مما يبين جانب العطاء والإيثار، ولا ننسى أن المواساة تدخل في إطار التعاون على البر عملا بقوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، فمن المهم التأسي بهذه الأخلاق النبيلة لأننا جميعا معرضين للابتلاء وجميعنا بحاجة المواساة، كما أن للمواساة أشكال مختلفة ووسائل متعددة، فهناك مواساة بالأموال، وهناك مواساة بالأبدان والأنفس، والمواساة بالعمل والكلمة والنصيحة والدعاء وغيرها من الوسائل التي تجبر كسر الخاطر والجراح.
وتتحلى المواساة بالدعم النفسي بخصائل مهمة تنتشل المتألمين من عمق مأساتهم إلى بر أمان لا ندركه كما تدركه بصائرهم لذلك هم الأكثر حاجة للاستماع بدل النصيحة والطبطبة بدل اللوم فحتماً كلنا يعلم الخطأ فيما اقترف وكل ماهو بحاجة إليه الآن هو كلمة طيبة تشعره بالحب فيخرج من أعماقه المظلمة ووحدته الموحشة ليدرك النور بصور الرحمة الالهية التي الهمها عز وجل لعباده فترجموها كما يحب.
وفي النهاية كونوا أكثر لطفاً واستمعوا للمتألمين حتى ولو شعرتم أن أحزانهم غير مبررة فربما لطفكم هو تلك الصورة من الرحمة الالهية المطلوبة، واجعلوا من كلماتكم لينة هينة كماء زمزم صافٍ يدخل إلى قلوب الآخرين ويشفيها، فرُب صوت حنون يعيد ترتيب أنفسنا إلينا من جديد .
اضافةتعليق
التعليقات