إن سيرة حياة الإمام الجواد (عليه السلام) تختلف عن بقية آبائه وأجداده فقد حصلت في حياته عدة مناظرات عقائدية وشرعية بينه وبين علماء البلاط العباسي.
ونقلت الروايات والأحاديث عدة مناظرات منها تسنم الإمامة في صغر سنه حيث اجتمع ثمانون رجلاً من فقهاء بغداد والأمصار وعلمائهم، وخرجوا إلى المدينة، وأتوا دار الإمام الصادق (عليه السلام)، فدخلوها، وبسط لهم بساطا أحمرا، وخرج إليهم عبد الله بن موسى، فجلس في صدر المجلس، وقام مناد فنادى: هذا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )! فمن أراد السؤال فليسأل.
فسأله بعضهم، وأجاب من عنده، فتحيّر الشيعة، وحزنوا لذلك.
عندها دخل أبو جعفر الإمام الجواد (عليه السلام) المجلس، فأعادوا عليه المسائل، فأجاب على جميعها وبأدلة قاطعة، فخرج القوم، ودعوا له.
كانت فرق أهل الحديث، والواقفة، والزيدية، والغلاة لها نشاط في فترة إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) فكان ينهى الشيعة مِن الصلاة خلف مَن يعتقد بـالتجسيد (أي تجسيم الله)، ودفع الزكاة إليهم، وردّ (عليه السلام) على سؤال أبي هاشم الجعفرى عن تفسير آية «لا تُدْرِكهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يدْرِك الْأَبْصار».
ونفى (عليه السلام) رؤية الله بالعين، وأضاف: إن أوهام القلوب أكبر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام.
وهناك روايات ورد فيها ذم الإمام للواقفة، ووضع الإمام الزيدية والواقفة في ضمن النواصب، وقال آية (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ).
كما لعن الإمام الجواد الغلاة كأبي الخطاب وأتباعه، وقد لعن أيضا من تردد أو شك في لعن أبي الخطاب، وبيّن الإمام أن أبا الغمر وجعفر بن واقد وهاشم بن أبي هاشم هم من أتباع أبي الخطاب، وقال أن هؤلاء بإسمنا أهل البيت يستغلون الناس.
وبناء على ما ورد في رجال الكشي أن الإمام أجاز قتل اثنين من الغلاة وهما أبو المهري وابن أبي الزرقاء؛ لأنهما سعيا في انحراف الشيعة.
والإمام لم يواجه هؤلاء الغلاة فحسب، بل بادر بمكافحة معتقداتهم، وبذل مجهوده أن يبعد الشيعة من أفكارهم، وذلك من خلال تبيان عقائدهم المنحرفة.
ومخاطبا محمد بن سنان، ردّ الإمام (عليه السلام) على عقائد المفوضة والتي تعتقد أن خلق العالم وتدبيره بيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)، وقد بيّن الإمام قضية التفويض كعقيدة صحيحة وأنها تتناسب مع المشية الإلهية، وقال: هذه الديانة التي من تتدينها مرق ومن تخلف عنها محق، ومن لزمها لحق.
قطع يد السارق
لقد حدثت جملة حوادث أيام إقامة الإمام الجواد (علية السلام) في بغداد أدّت إلى علوّ قدره ومكانة الإمامة بين الناس، ويمكن الإشارة هنا كنموذج إلى فتوى الإمام عن السارق.
والذي أقرّ على نفسه بالسرقة في مجلس الخليفة، فجمع الخليفة الفقهاء وقد أحضر الإمام الجواد (عليه السلام) أيضاً، فاختلفوا في الموضع الذي يجب أن تقطع اليد منه، فقال بعضهم: من المعصم، وقال آخرون: من المرفق، فطلب المعتصم من الإمام أن يبدي رأيه، فامتنع الإمام في باديء الأمر قائلاً: «قد تكلم القوم فيه» لكن الخليفة ألحّ عليه في الجواب، فأجاب (عليه السلام) بعد إصرار الخليفة قائلاً: «إنّ القطع يجب أن يكون من مفصل الأصابع فيُترك الكف» فقال الخليفة وما الحجة في ذلك؟ فقال: قوله تعالى «وَإنّ المَساجِدَ لِلهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أحَداً» فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع.
فقد كانوا يسألونه عما يشكل عليهم من المسائل الفقهية وغيرها، فيجيب الإمام عنها، وقد وصلنا منه (عليه السلام) في هذه الفترة 250 حديثاً في مواضيع إسلامية مختلفة.
قصة لقاح الشجرة
لما توّجه أبو جعفر (عليه السلام) من بغداد قاصداً المدينة صار إلى شارع باب الكوفة ومعه الناس يشيّعونه، فانتهى إلى دار المسيّب عند مغيب الشمس، فنزل، ودخل المسجد، وكان في صحنه شجرة نبقة لم تحمل بعد، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة...
وقام (عليه السلام) وصلى بالناس صلاة المغرب مع نوافلها وتعقيباتها، ثم سجد سجدتي الشكر، ثم خرج، فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس، وقد حملت حملاً حسناً، فتعجبوا من ذلك، وأكلوا منها، فوجدوا نبقاً حلواً لا عجم له.
ويروى عن الشيخ المفيد أنّه قد رأى هذه الشجرة، وأكل من ثمرها بعد سنين طويلة من هذه الحادثة.
كلام كبار أهل السنة فيه
ساهمت مناظرات وحوارات الإمام الجواد في عصر حكومتي المأمون والمعتصم في الإجابة على كثير من الإشكالات والمسائل العلمية والفقهية، وأدّت إلى إعجاب خصوم الإمام وكذا العلماء والمفكرين الإسلاميين من الشيعة والسنة وإشادتهم بشخصيته معترفين بالإمام كشخصيّة مرموقة.
اضافةتعليق
التعليقات