هو من التلامذة المشهورين ومن المحدثين ورواة الحديث ورجل من رجال الإمام الصادق عليه السلام، فقيه وجليل المحدّث الكبير والمقرئ اللغوي الأديب أبان بن تغلب بن رباح البكري الكندي الربعي الكوفي يحظى بمكانة رفيعة جداً في الرواية لدى أهل السنة وقد روي عنه في هذه المحافل الروائية لأهل السنة نحو مائة حديث، فهو من وجهة نظر علماء الرجال لأهل السنة شخصية معتمدة وموثوق بها.
كان ديّنا خيّرا ناسكا معروفا بذلك في مجتمعه بالكوفة، حتى قالوا عنه من خيار أهل الكوفة ووصفه ابن عجلان بالنسك.
لقد تركز الدور العلمي لأبان بن تغلب بين التأليف والتدريس وإعداد الكادر العلمي وعقد جلسات المناظرة والبحث العلمي المنفتح على المذاهب والمدارس الإسلامية الأخرى.
وكان أبان (رحمه الله) مقدما في كلّ فنّ من العلم في القرآن والفقه والحديث والأدب واللغة والنحو، والظاهر أنّه كان رجلاً متمكنا كثير المال وكانت مهنته التجارة حيث ذكر الشيخ الطوسي أنّه كان بندارا؛ أي تاجرا.
وكنيته « أبو سعيد » أو « أبو سعد » كما في كثير من مصادر ترجمته، وعاصر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الإمام علي بن الحسين زين العابدين والإمام محمّد بن علي الباقر والإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهم السلام).
تميّزت شخصية أبان بمنزلة رفيعة ومكانة مرموقة لدى الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) بلغت حدّ التصريح برئاسته وتقدمه وفضله حيث اعتبره الإمام الصادق (عليه السلام) من رؤساء الشيعة، وكان (عليه السلام) يكنّ له غاية الإجلال والإحترام، وكان له موقع متميّز في مجلسه (عليه السلام)، فقد حدّث محمّد بن أبان قال: دخلت مع أبي على أبي عبد اللّه (عليه السلام)، فلما بصر به أمر بوسادة فاُلقيت إليه، وصافحه واعتنقه وساءله ورحّب به.
كما كان الإمام الباقر (عليه السلام) يأمره بالتصدّي للإفتاء في مسجد المدينة ثقةً منه بمكانته العلمية والفقهية بشكل خاص، ولذا نجد الإمام الصادق (عليه السلام) يعبّر عن تأثره البالغ وأسفه الشديد لفقدان مثل هذه الشخصية حينما جاءه نعيه قائلاً: «أما واللّه، لقد أوجع قلبي موت أبان».
ورد في أسانيد بعض الأخبار أخ له يسمّى نوح بن تغلب بن رباح الجريري القيسي، وهذا ما صرّح به أيضا ابن حبّان في الثقات.
كما أنّ له ابنا يسمّى محمّدا وهو الذي نقل خبر دخول أبيه على الإمام الصادق (عليه السلام) وحفاوة الإمام (عليه السلام) به.
وقد حظيت هذه الشخصية الكبيرة باهتمام وافر من علماء الفريقين عبّرت عنه كلماتهم التي ترادفت في الثناء عليه وتبجيله وعرفان حقه.
وقال ابن عدي: «هو من أهل الصدق في الروايات».
وقال ابن عجلان: «أبان بن تغلب رجل من أهل العراق من النسّاك، ثقة»
وقال الحاكم: «كان قاصّ الشيعة ثقة» وقال العقيلي: سمعت أبا عبد اللّه يذكر عنه عقلاً وأدبا».
وما هذه إلا دليل واضح وبرهان لائح على علوّ مرتبته في العلم والعمل وثقته وعدالته وأمانته في الحديث وفي مجال تآليفـه والواصل إلينا من عناوين كتبه التي نستبعد أن تكون على وجه الحصر سيما من فقيه وعالم مثله هو (33).
إنّ الفترة التي أدرك من خلالها أبان بن تغلب الأئمة الثلاثة من أهل البيت (عليهم السلام) قد أهّلته وبأعلى المستويات للتتلمذ على أيديهم وتحمّل علومهم وأداء رسالته العلمية على أكمل وجه.
وكان أوّل من لقيه منهم (عليهم السلام) هو الإمام علي بن الحسين السجّاد (عليه السلام) ثمّ ولده الإمام الباقر وحفيده الإمام الصادق (عليهما السلام)، وقد كانت تلك الفترة سيّما في عصر الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام)، فترة متميّزة وفريدة في مجمل التأريخ الإسلامي وخاصّة في تأريخ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، حيث دبّت الحركة العلمية في الحواضر الإسلامية الكبرى وراج للعلم سوق كبيرة وكان العلم هو الأساس في التفاضل والترجيح، وقد انبرى في هذا الميدان كوكبة كبيرة من روّاد العلم في شتى المجالات والفنون يأتي في مقدمتها فقيهنا المترجم أبان بن تغلب الذي استوعب كثيرا من علوم الأئمة (عليهم السلام) في الفقه والحديث والتفسير وبأمر من الإمام الباقر (عليه السلام) عندما قال له: «اِجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس؛ فإنّي اُحب أن يرى في شيعتي مثلك».
وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يحثّه على مجالسة أهل المدينة والحضور في أنديتهم العلمية قائلاً له: «جالس أهل المدينة؛ فإنّي اُحب أن يروا في شيعتنا مثلك» إنّ الأمر بالتصدي للإفتاء في المسجد النبوي مما لم يرد نقله بشأن أي واحد من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وتلامذتهم مع كثرتهم وتقدمهم في كثير من العلوم؛ مما يدلّ على المكانة الخاصّة لأبان عندهم (عليهم السلام) ولم تقتصر براعة أبان في الفقه على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فحسب بل تخطّته إلى سائر المذاهب الاُخرى، فقد كان فقيها مطلعا على المذاهب والآراء وكان يُرجع إليه في ذلك مما يدلّ على موقعه العلمي الرفيع والمعترف به لدى المسلمين كافّة.
ومن هنا فقد كان الكيان العلمي للمجتمع المدني ينظر نظرة خاصّة ومتميّزة لأبان.
ومن هنا نجد أنّ أبان قد امتثل هذه التوصية وطبقها في مجمل نشاطه العلمي المنفتح على الآخرين فيما يرويه عنهم ويروونه عنه، فقد روى عن كثير من التابعين وبعض الصحابة وغيرهم كمالك بن أنس وإبراهيم النخعي وعكرمة وغيرهم.
ومن جهة اُخرى فقد دعم الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) الموقع العلمي الذي اضطلع به أبان في المدينة، كما دعموا مرجعيته العلمية في مجتمعه في الكوفة، حيث كانوا يرجعون إليه كبار الرواة والفقهاء أمثال أبان بن عثمان.
الذي عدّ من الفقهاء الستّة الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).
وإن أبان بن تغلب صنف غريب القرآن وذكره أنه مات سنة 141 وهكذا فقد كان أبان من الأوفياء المدافعين عن مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) والدعاة المخلصين والمشيدين لأركانها الذين يدعون الناس إلى الحقّ بالحكمة والموعظة الحسنة.
اضافةتعليق
التعليقات