في كل مرة تتعرض فيها للفشل، لا تظن للحظة أنك خسرت. لقد ربحت شيئًا أعمق من النجاح المؤقت، ربحْتَ درسًا لن تنساه، وخبرة لن تنساك. الفشل ليس جدارًا مسدودًا كما يظنه البعض، بل هو بوابة خلفية سرّية تقودنا إلى طرق لم نكن لنعرفها لولا أن ضللنا الطريق.
النجاح في صورته اللامعة قد يكون خادعًا؛ يُشبه السراب الذي يركض إليه العطشان. أما الفشل، فيأخذك من يدك، يُلقي بك على الأرض، لكنه لا يتركك هناك. بل يمنحك خريطة جديدة، مفاتيح مختلفة، وفهماً أعمق للذات وللحياة.
كم من عظيمٍ وصل إلى القمة من بوابة الفشل! كم من فكرة عظيمة وُلدت من رماد الإحباط! لو عاد توماس إديسون إلى الوراء بعد محاولاته الفاشلة المتكررة في اختراع المصباح، لما أنار العالم. لو استسلم أينشتاين لنظرة معلميه إليه بأنه "طفل غير قابل للتعلّم"، لما غيّر مفاهيم الفيزياء. الفشل كان الحاضنة التي نضجت فيها تجاربهم، وأخرجتهم إلى الوجود مُحمّلين بالحكمة، لا فقط بالنتائج.
المجتمعات التي تحتفي بالنجاح وحده، تنسى أن الفشل هو أستاذ النجاح الأول. تتعامل مع الفشل كعار، بينما هو في حقيقته ميدالية غير مرئية، يعلّقها الزمن على صدور العظماء، ليقول لهم: "لقد مررت من هنا، وتعلمت."
حين تقول "هذه هي النهاية"، فأنت تغلق أبواب الاحتمال وتحبس نفسك في قفص التجربة الواحدة. بينما الحقيقة أن كل نهاية، تحمل في طيّاتها بداية جديدة، لكنها لا تُمنح إلا لمن يرى، ويؤمن، ويصبر. الفشل يُزيح عنك قشرة الغرور، يُعلّمك التواضع، يعلّمك إعادة التفكير، والمرونة، والمثابرة. وهو وحده القادر على أن يصنع منك نسخة أقوى.
قد يكون الفشل مؤلمًا، نعم، لكنه ألمٌ خلّاق. إنه الولادة العسيرة لأحلامٍ أكثر نضجًا، وأهدافٍ أكثر وضوحًا. إنّه إعلان من الحياة بأنك لم تصل بعد، لكنك في الطريق الصحيح. وهو لا يقول لك "توقّف"، بل "أعد الكرّة بشكلٍ أذكى".
وفي النهاية، الفشل لا يُعرّفك، بل يُشكّلك. هو ليس هويتك، بل مرحلة في رحلتك. فحين تتعثر، لا تجلس طويلًا، قف مجددًا، نظّف غبار التجربة، وامضِ نحو عالمٍ جديد، أوسع وأعمق من عالمك السابق. ربما لم يكن الفشل نهاية كما ظننت، بل بداية الحكاية التي سترويها يومًا ما بكل فخر.
اضافةتعليق
التعليقات