في شهر رمضان، تنمو علقة الهيام بذكر الله، وأرومة الغد رزق يتملك ذوي العقول الوجلة فتهاب النداء ساعة السحر .
في هذا الشهر المعظم، كتاب يخاطب صفة الانفراد عند سجادة الرحمة، فتصلي الأعناق طلبا لميعاده.
حتى آيات الله، تحتضن العظمة خطوات، فيكون القرب لمن تلى وهو وجل.
فترق العين، وترقى بنفسها مدارج الحكمة من أفواه الترتيل. فتبدأ سورة البقرة، وبحكم الغيب، تقتفي هدى للمتقين وينتفض الوتر ويدق ناقوس السفر إلى أعماق الرحلة إلى حيث الختم، ومائدة تدعى لها جوارح ومسارح نحو اقتياد المغفرة وتدبير الرحمة.
شهر رمضان.. دعوة وإجابة
عند طلب الغيث، يصاحب البيت أفراد الصيام، فتجثو الناصية حيث تقبيل مقصد الله في أوليائه.
تغادر الأنانية صدور قابضة على حب الرضا، وإعانة الزاد وملبس فقير ، وجفاء السحت إلى حيث لارجعة..
تجتمع الهمة، لفداء اليد القاصرة، وزهد حقيبة المادة وكبح ذوات الشحوح، ومرافقة الكلمة والموعظة الحسنة.
شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن
فهو شهر التنزيل، نزل فيه الروح الأمين على قلب الرسالة، دعوة صريحة لمدى عظمة الكتاب والمرسل إليه.. وقد ارتوى من نوره قبل الخلائق ليكون للعالمين نذيرا.. فهمت الأفئدة متعففة غير مترددة لارتياد عمق التنزيل، فهو الشفاء والمعجزة حتى آخر حرف الفلق.
قال رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله:
(وأكثر في هذا الشهر المبارك من قراءة القرآن، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وكثرة الصدقة، وذكر الله في آناء الليل والنهار، وبر الإخوان، وإفطارهم معك بما يمكنك، فإن في ذلك ثوابا عظيما وأجرا كبيرا).
لذا، تهيم مقلة العين فيضا من شلال دمعها خشية بارئها، ويزداد كيل العطاء، وتكتب الآجال حسنة زائدة.. بعشر أمثالها.
فتزداد الرغبة في الله قربا، وكأن غيمة قد وهبت عرشا للمطر لتغري عطشى النور وشاح من حرير، فتتوجه النفوس لأمر الله قانعة، ولسعيها راضية، تسقى من عين آنية.
شهر رمضان.. رحمة لاحدود
في شهر الرحمة، تجوب القافية بيت الدعاء وذكر الخطيئة وعمر يناهز الألم، فترتدي حجاب الخضوع والسكينة والاستكانة، لتطلب ماتريد من خالقها، فيملأ الله جوفا قد ارتجف خوفا من رجاءه، زكاة ورحمة لذوي الضعف وقلة الزاد.
في هذا الشهر المبارك، تتعدد آراء وتلبس هنداما مهابا، وتزدلف ساحل الأمنية، لتسترسل غاية لعل فيها نجاة لعموم الطائعين والمذنبين.
لذا في طلب النجاة، كفوف لطالما أرهقتها زواحف الدهر، وشقاء النفس، وغلبة الطلب فارتضت لنفسها شهرا لا يقاس بغيره من الشهور فانكبت خشوعا، رغبة في ثوابه، وغيثا لأقدامه، وشوقا لأيامه ولياليه.
شهر يختلف عن غيره من حيث الصفة والمضمون. شهر جمع الأيام تحت قبة الصلاح والإصلاح، وتجافى فيه قسوة الضمير، وكان شعاره رحمة وإجابة وغفران ذنوب.
عن الامام الرضا عليه صلوات الله قال:
(اعلم أن شهر رمضان شهر له حرمة وفضل عند الله عز وجل فعليك ما استطعت فيه بحفظ الجوارح كلها واجتناب ما نهاك عنه في السر والعلانية فإن الصوم فيه سر بينه وبين العبد، فمن ردها على ما أمره الله فقد عظم أجره وثوابه، ومن تهاون فيه فقد وجب السخط منه واتقوه حق تقاته، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).
في شهر رمضان، تحتاج النفس إلى برمجة للروح لتغطي تبعات واجمة، ازهقتها مضامين عاطلة وباطلة، باطنها متوجع من لؤم النفس، ونبضها قد دس زيفا من حقائق.. اجهضها النظر المتعب، وتغلب عليها زفير غاضب وشاركها الفكر الذائب.. فيذوب القلب، وتيأس المواهب، وتهرب المثل الطيبة.
(وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان….), ***
ف يتحتم على الروح أن تنصر الفطرة، وتهب لها دعما وفوجا من رحيق مختوم بالعافية وقوة يقين.
ويجعلها كلمة باقية على أثرها ف تبهر العقل وتربي سنبل الطيب في ذات الولاء، حتى تلهم النفس درجات من التقوى والرفعة، ومعارج ظاهرة لا تغيب.
فكان الفرقان المبارك، قرآن عظيم ليكون للعالمين بشيرا ونذيرا
وتبارك الله حين يجعل في عطاءه لاحدود وأنهارا من رزقه لعباده، ويجعل لهم قصورا.
شهر رمضان استثناء العطاء
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (من دخل عليه شهر رمضان فصام نهاره وأقام وردا في ليلته، وحفظ فرجه ولسانه، وغض بصره وكف أذاه خرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، فقيل له: ما أحسن هذا من حديث؟ فقال: ما أصعب هذا من شرط؟).
يشترط للمؤمن الصائم، ملازمة الطاعة والتواصل الحثيث في ذكر الله، والهيمنة على نفسه عند أداء الصالحات.
فلا فوات للفرصة في دنياه بل متسع الزمن يمنح الدافع لفعل الخير واغتنام الدقائق، فلا مدرك له يوم القيامة.
سوى عمله الصالح وماتلوج له روحه كي تنعم بحياة أزلية ناعمة.
(فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولاتكفرون )**
هنا جبر الخواطر يغطي تبعات الانكسار ، وعالم الصمت رهيف الظل، مثقل اللحظة، أخرس اللسان لا ينطق سوى خوفا وضعفا.
فيأتي الغيث حيث المدد، ولؤلؤ النعم، وكتاب التوفيق لأداء الذكر وعمل مبارك وسعي حثيث لإخوة الحق، فيقتضي للشكر أن يأوي بيت التلاوة، ويعمر الذكر بمقتضاه.
في شهر رمضان تلتئم جراح الوصال، وتستبين الحكمة ويصدق الحديث بنواياه الفاعلة، وعمدة دليله سقاية ضيوف الرحمن حول مائدة الإفطار وهبة الغفران.
ويرتضي الله سبحانه لعباده، قدرا ممهورا بالإجابة جائزة غير متعثرة بل شاهدة عمل المؤمن وربان إحسانه أنه أرحم الراحمين.
اضافةتعليق
التعليقات