خائفةٌ تترقبْ وضع مولودها، يا إلهي كيف بي لو كان المولود أنثى، سيغضب الجميع مني، ستتأذى الطفلة بلا ذنب، فقط لأنهم لا يرغبون وجودها، كأنهم أعلم ممّن خلقهم، ماذا أفعل؟
كيف لي أن أتحمل وحشية من حولي..
هيّا، عجّلِوا قاربتْ أنْ تلد ووضعها متأزم، كأنها ترفض الوجود، هدئوا من روعها، عسى أن تُنجب لنا ذكراً نتفاخر به بين الملأ.. حسناً حسناً، ها هي تضع مولودها..
الوجوه مسْودَّة، شرار الغضب يتصاعد، ليتها رحلت هي ومولودها هذا..
مُضطربة، حزينة؛ لم يُهنئها سوى من شعرتْ بألمها؛ طفلةٌ جميلة، تُشبهك.. وما فائدة ذلك ومن حولي يرفضون مجيئها..
لا عليكِ، ما معنى أن يرفضوا مجيئها، وقد خلقها من خلقهم وهو العليم العظيم، وهل ستكون حياتهم وتكتمل دون المرأة..
كانت الناس قبل الإسلام تستهين بالمرأة وتتعامل معها؛ وكأنها ليست إنسان خلقه تعالى وكرَّمه..
ولا زالت هذه النظرة متواجدة دفينةٌ بالنفوس، تظهر بأشكال عِدة..
وكأنَّ المرأة مخلوق ليس إنسي، ووجودها ليس بتلك الأهمية حتى أنَّ من يَرزقُه تعالى بمولودٍ أنثى دون الذكر يَكفهر، ويبقى منتظراً الولد ليَشعر أنه رُزِقَ بأولاد؛ ومنْ تَلد الذكور تخاف الحسد.. هو نفس الفكر يَحملونه بطريقةٍ أخرى؛ دون أنْ يَشعروا وكأنّهم أعلم من الخالق العليم الحكيم الذي وهبهم الحياة ويُسَيرها بنُظم بما هو أعلمُ به..
يتناسون أنَّ للمرأة التأثير الأكبر في الوجود، وعجباً يحتاجون للأبحاث والحوارات ليُبينوا أنها إنسان له حقوقٌ ووجود.. جاء الإسلام وأكد على مكانتها وكرّمها وأكْثَرَ الوصية بها؛ وطالما جاء الإسلام ليُنَور العقول، ليُعيدَها لكرتها الأولى..
حَمَلَ كُل مفاهيم الخير، بيّنَ حق كل فرد من البشرية، أوصى بعضهم ببعض، ألغى الفوارق، ونهى عن الظلم.. وجعلَ ميزان التفاضل بينهم عمل الخير ونقاء السريرة..
فالمرأة الركن الأساس ببناء العالم لما أودعه تعالى بها من قُدرة للتحمل والعطاء كونها الأم التي تعتني وتُنشىء الأجيال، ومن هنا يقول الشاعر:
الأمُ مدرسة لو أعددتها أعددتَ شعباً طيبَ الأعراقِ
فلو وجدت المرأة الإهتمام حقاً كإنسان متكامل، لأعطت وأعطت وتألقت بالوجود، فهي الأم حتى وإن لم تُنجب، التي تحتوي بقلبها وروحها آلامَ منْ حولها..
وقد جعل تعالى نبيه الأكرم محمد وآله صلوات ربي وسلامه عليهم أسوة للعالمين..
كم تحملت الزهراء عليها السلام وأعطتْ حتى أصبحت أمُ أبيها حملتْ آلامَ أبيها وأحاطته بحنانها، وخففت عن زوجها أمير المؤمنين عليه السلام وأعانته فكان يقول: "كنت إذا نظرتُ إليها انجلت عني الهموم والأحزان".
فهي قدوةٌ للنساء والرجال بما أعطت وقدّمت..
كان لها دورٌ كبير بإسناد النبوة حتى قرن تعالى رضاه برضاها.
روي في عوالم العلوم عن المناقب: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "يا فاطمة إنّ الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك".١
فكانت أعظم أم وإبنة، ومُربية، ومُعلمة، حتى أنّ نساء المدينة يترددون عليها ليَستزادوا منْ علمها، وليَستفهموا عن مسائلهم التي لا يعرفوا لها جواباً، ولم يقتصر الأمر على النساء فقط فقد كان القوم يُرسلون لها مُستفهمين عن مسائلهم؛ ليتعلموا منها خير العلوم..
ولم تدعْ خادمتها خادمة عادية ولعمل البيت فقط؛ بل تقاسمت العمل معها وعلمتها، ولوجود فضة النوبية بدارها تأثير كبير على فضة، حتى أصبحت فضة قارئة للقرآن، حافظةٌ له، عارفة، قضت من عمرها حُقبة لا تتكلم إلا بالقرآن.. وكم علمت السيدة الزهراء عليها السلام علوم القرآن وبيّنته.
بيّن القرآن عظمتها ومكانة المرأة بآية المباهلة:
"فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَ نِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ".
لو عُدنا وتمعنا بهذه الآية فقط لتبيّن لنا مكانة المرأة ومشاركتها ووجودها في الحياة سوية مع الرجل فضلاً عن مكانة السيدة الزهراء عليها السلام التي اختصها تعالى بها بهذه الآية الشريفة،
فقد بيّن تعالى أهمية وجود المرأة وتكوينها بجانب الرجل كما خلقه خلقها وجعل لها حقوقاً وأوجب عليها واجبات ووضح الطريق الصحيح لمسير الحياة لكليهما.. وإن "أكرمكم عند الله أتقاكم".
اضافةتعليق
التعليقات