الطريق إلى الحسين، طريق سماوي يحمل المسافرون معهم أطهر آيات الحب والهيام إلى المعشوق الحقيقي في كربلاء.
ففي هذه الرحلة كل شخص يأخذ معه شيئا يترك أثرا أبديا في نفسه، هنالك من يحمل علما مكتوب عليه: (عجل لوليك الفرج) لتبقى النفحات المهدوية تشاركه مسيرته وتذكره بإمامه الغائب فيكثر له الدعاء ويهذب نفسه ليكون من أحد أنصاره.
وهناك من يحمل على ظهره حقيبة أمه المسنة والعاجزة عن الحركة ويدفع كرسيها المتحرك حتى لا تتخلف عن القافلة ولا يفوتها مشاركة المعزين وتموت وفي قلبها حسرة الزيارة!
وذاك الشاب يحمل طفلته الصغيرة التي لم تتجاوز الثلاثة سنوات على كتفه ويشرح لها بلغة الطفولة عن الأحداث التي حصلت في كربلاء لينكشف في نفسها كل القيم والمبادئ الحسينية الموجودة في الفطرة.
وهنالك من يحمل معه قلما يرسم في مسودته رسمة أولية لمشاهد يعجز اللسان عن نقلها فينجح الرسم في تجسيد ذلك الشعور الذي يكتسيه مواقف المشاية.
وهنالك من يحمل هاتفا يسجل الأحداث والمشاهدات في برنامج المدونة ليصنع منها مقالا أو قصة تعبر عن عظمة هذه المناسبة التي تغرس في نفوس الناس القيم والمبادئ التي يستحيل أن يكون لها مثيل في العالم.
وهنالك من يحمل آلة تصوير يوثق فيها المشاهد التي لا تحصل إلاّ في طريق الحسين ولن تتكرر إلاّ مرة واحدة في السنة.
هنالك من يحمل أمه وهنالك من يحمل قلما، ماهية الأشياء تختلف ولكن الرسالة واحدة، فكل هذه الأمور التي يحملها الإنسان في طريق الحسين تعبر عن احساسه وقضيته وشعوره بالمسؤولية تجاه الله والدين، وكل شخص يختلف تكليفه بحسب المنبر الذي هو عليه.
وإذا أردنا أن نبتعد عن الشريحة العامة من الناس ونتجه إلى شريحة المثقفين والفنانين فإننا نجد بأن القضية الحسينية عكست وجها آخر للفن على مدار السنوات الفائتة، فكل هذه الفنون من الكتابة والرسم والتصوير وغيرها تشق طريقا آخر في قضية الحسين (عليه السلام).
ولمعرفة مشاعر الفنانين وطريقة انسجاهم مع القضية الحسينية وفي زيارة الأربعين خصيصا كان لبشرى حياة حوارا مع المصورة الفوتوغرافية صاحبة حساب (وصب) حيث قالت:
"التصوير بالنسبة لي هو اللسان الذي من خلاله أعبر عن قضيتي، لهذا السبب أحاول عل مدار السنة أن أطور موهبتي وأصقلها جيدا وأتعلم كل الدهاليز التي يخص فن التصوير حتى أكون على استعداد تام لاستقبال شهري محرم وصفر وأسلط موهبتي على هذا الجانب وأكثف جهودي في التقاط الصور التي تحمل أعمق المعاني والمبادئ وأنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ليتعرف العالم على هذه القضية.
لأني أعتبر التصوير هو الوسيلة التي من خلالها أتشرف بخدمة مولاي الحسين، وأحاول ولو بجزء قليل إيصال الرسالة الحسينية الى العالم".
وأما الكاتبة (ف م) قالت:
"الكتابة بالنسبة لي عالم آخر، فمنذ فترة طويلة انشغلت بكتابة الروايات الاجتماعية والرومانسية، ولكني مع حلول هلال محرم أجدني بلا وعي أتجه إلى القضية الحسينية، فأنشر على أثرها الكثير من القصص التي استنبطها من حادثة الطف، وما إن تبدأ مسيرة الأربعين حتى آخذ مسودتي في الحقيبة وأتجه إلى طريق المشاية لألخص ما تراه عيناي من عجائب الدنيا التي لم أرها في أي مكان وزمان، فالقضية الحسينية خلقت في قلبي معنى آخر للفن."
وقالت سرى عبد العزيز متابعة جيدة للفن:
"بلا شك للفن مكانة كبيرة في حياة كل انسان، فمن خلاله يستطيع أن يعبر عن خلجات نفسه وما يشعر به دون الحاجة للكلمات، فاللوحات الفنية اليوم تقدم قصة كاملة بأحداثها وأحاسيسها، ولعل أكثر اللوحات التي تركت في نفسي أثرا بالغا هي لوحات الفنان الايراني "حسن روح الأمين" لأنني أجدها تحمل في داخلها مضامينا عالية، بالإضافة الى اللمسة العصرية الممزوجة بالحزن والألم والتي يضيفها الفنان إلى لوحاته في نقل وقائع أهل البيت (عليهم السلام) والتي استطاعت بجمالها وتفردها أن تجذب المسلمين وغير المسلمين في كل أنحاء العالم".
الفن اليوم هو اللغة المشتركة بين جميع البلدان والشعوب، والقضية الحسينية حاضنة لأعمق المبادئ والأفكار التي يحتار الإنسان بطريقة نقلها وتداولها بل وتفتح آفاقا كبيرة للإنسان وتخلق وجها جديدا للفن بما يحمله الناس من المشاهد والقصص خصوصا في أيام الأربعين الحسيني، فما يحصل في هذه الأيام هو أمر غير قابل للتصديق والفنان الذي يشخص تكليفه ومسؤوليته تجاه الدين سيعرف كيف يوظف فنه يوصله للعالم بطريقة يخدم بها القضية الحسينية.
اضافةتعليق
التعليقات