قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، هذه الآية الكريمة تُبين ثمرة من ثمرات التوكل وهي بلوغ الاحتساب، إذ يُعرف التوكل [بأنه اعتماد القلب على الله تعالى في الأمور كلها، وانقطاعه عما سواه، فكل حكم وقضاء يصيب المؤمن في حياته يقابله بالرضا والتسليم](١).
وكما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ○ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(٢)، نجد أن الآية تصف التوكل أنه [عمل] وليس [اعتقاد] بالقلب فقط، فقيمة ما ينعقد بالقلب هو تحققه في سلوك الفرد المؤمن.
والسيدة الجليلة (عليها السلام) من ألقابها [المحتسبة](٣)، فهي بذلك بلغت مقام التوكل.
الاحتساب بمعناه العقائدي والعملي
السيدة (عليها السلام) كانت تحمل في داخلها يقين راسخ بأن هناك يد لطف خفية ترعاها، وتمدها بالعون، تسددها وتحفظها، وكأن لسان حالها واعتقادها هو ما نقرأ في أذكار الصباح: [حَسْبِيَ الرَّبُّ مِنَ الْمَرْبُوبِينَ، حَسْبِيَ الْخَالِقُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، حَسْبِي مَنْ لَمْ يَزَلْ حَسْبِي- حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ].
فهي (صلوات الله عليها) قابلت كل ما جرى عليها بالمُضي بكل ثبات، واطمئنان، بل وجعلت الأعداء يَحسبون لوجودها أيما حِساب، فقد أرعبتهم، وزلزلت عروش الظلمة بمواقفها، وهيبتها، وخطبها.
الاحتساب بمعناه الإعدادي، كما وقد تحقق الاحتساب فيها (عليها السلام) بمعنى أنها أعدت نفسها جيداً لمثل هذه النوائب والمصاعب، فهي لم توضع في هكذا موقف، ولم تُشرف بهذه المهمة المفصلية من دون أن تَحسب لمثل هذا الموقف حِساب! بل دخلت فيها بعد إعداد وتهيئة وقابلية موجودة فيها.
وهي(عليها السلام) العارفة بربها، والعالمة بزمانها، وبحقيقة العيش في هذا العالم الذي فيه الاختبارات متوالية، والفتن والمشكلات متتابعة، والأعداء متربصة بالمؤمن البسيط!
فكيف وهي تنتسب لشجرة الحق الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، تلك الشجرة التي يسعى أهل الباطل أن يقطعوها بكل ما لديهم من قوة؟! ويأبى الله تعالى إلا أن تبقى راسخة متجذرة تؤتي أكلها كل حين، إنما شجرة الباطل هي التي لا قرار لها وإلى زوال، وإن طال وجودها عبر الأزمان.
لذا هذا درس لكل زينبية لتكون ثابتة الموقف، قوية ناصرة مدافعة لما تحمل من حق، بأن توجد في داخلها الاعتقاد الراسخ بتحقق معية الله تعالى لكل من يلتحق بالشجرة الطيبة، ومع العمل على تربية النفس وإعدادها لتكون ذات سلوك عاكس لمفهوم الاحتساب الزينبي، لكونها ليست مسؤولة عن نفسها فقط بل عليها مسؤولية أوسع وهي بناء جيل حامل للنهج الإلهي.
اضافةتعليق
التعليقات