في بلاد يُغتال فيها المفكرون ويُكفر الكاتب وتُحرق الكتب.. في مجتمعات ترفض الآخر وتفرض "الصمت" على الأفواه والحَجر على الأفكار وتكفر أي سؤال.. كان لا بد أن استأذنكم أن تسمحوا لي.. فهل تسمحون لي؟ (نزار قباني).
كثيرًا ما نجد اليوم الغالبية صامتة عن أخطر ما يحدث من ظلم واستبداد وحتى عن ابسطه بصورة شخصية او عامة، وقليلًا ما نجد أعذار مقنعة بشأن صمتهم المعهود هذا، وبحجج اكثرها واهية منها؛ انهم لم يفهموا ماهية الأمور لكي يخوضوا الكلام فيها فتجدهم يقبعون في قعر الصمت ضعفًا وقلة حيلة؛ ومنهم العارفين الذين يتملصون من تحمل المسؤولية ويهربون مكتفين بما لديهم من اعذار..!
في مقولة للفيلسوف (برنالد شو): لو إن الناس تحدثوا فيما يفهمونه فقط ؛ لبلغ السكوت حدًا لا يُطاق!!
ومن هنا يأتي السؤال علينا بشكل عام نحن كأفراد نعيش ضمن مجتمع كبير نتنقل بين مرافقه كافة، هل يتحمل كل شخص فينا الصمت الدائم او الغالب اينما يذهب؟ فقد لا يجد من يفهم كل شيء بصورة صحيحة، وبلا نقاش ومداولة كيف له أن يُفْهِم او يَتفَهم؟
وانت ايها القارىء الكريم هل تستطيع الصمت غالبًا وعدم التحدث إلا بما تفهمه فقط؛ ولن تشارك بالحديث الذي يُطرح أمامك حتى لو بوجهة نظرك الخاصة، أو بغية تصحيح معلومة أو خطأ ما؟!..
في إطار هذا الموضوع عمِد موقع (بشرى حياة) استطلاع رأي بعض الاشخاص حيث جاء رد طالبة الماجستير رؤى البرقعاوي قائلة: ليس كل الناس الآن يتكلمون وهم يفهمون ويعون ما يدور على ألسنتهم، أي ان مستوى الفهم ضئيل لديهم ولن يؤخذ به نتيجة جهلهم وعدم اطلاعهم؛ لتغزوهم الثقافة المعرفية ويبدو ان كثير منهم لا يرغبون بهذا الغزو، فربما يفضلون غزوات أخرى..
وأضافت البرقعاوي: حقيقة ووفق تجربة حياتية مستمرة، الأمر متعب جدًا فالصمت أحيانًا قاهر، والحديث مع من لا يفهم ولا يريد الفهم أصلًا مهلك ومؤذي، ولكن أنا غالبًا ما أطبق الكلام واوضح أشياء ذات مفاهيم مغلوطة وهذا الكلام ضمن محيطي الذي أنا على إحتكاك به..
فالصمت لا يجدي نفعًا لأن صخب الجهل أصبح مدويًا ومقلقًا فعَلينا بثورة اللسان؛ تنفع لمن يفهمها طبعًا...
أم مصطفى/ مُدرسة مادة الجغرافيا قالت: اكثر الاحيان إن لم افهم شيء مما طرح أمامي، اكتفي بالصمت بُغية تحليل الموضوع وفهم ابعاده حتى اذا سنحت لي فرصة ثانية للنقاش فيه سوف اشارك واطرح وجهة نظري وادافع عنها وبقوة مهما كانت اراء المقابل معاكسة لي..
ثم اضافت: ومن ناحية أخرى كثيرًا ما افضل الصمت على الكلام، لأنه في مواقف معينة يبيح الكثير من المخفيات واللا مرغوب التكلم بشأنه، ويحدث كما يُقال بالعامية (زلة لسان) فقد يأخذ وابل الحديث أحيانًا صاحبه فينسى نفسه..
لذلك افضل الصمت أو السكوت كثيرًا لتجنب حدوث بعض التداخلات، وبالرغم من انني عندما ألتقي بأهلي ومعارفي انسرد بالكلام والمزاح و لكني كثيرًا ما اندم على ذلك لاحقًا..
الكاتبة ملاك السعدي تقول: أنا بطبعي أحب أن أناقش المواضيع مع الآخرين وأستمِع لوجهات النظر، و إن لم أجد من يحدثني بما أفهم أتنقل بين الكتب فأكون كمن تحدث مع عدة اشخاص..
واضافت السعدي: في الواقع انا اتحدث بما افهمه، وما لا افهمه أستفسر عنه او اقول (اعتقد كذا او من وجهة نظري فان الامر كذا).. ولا اجزم بما لا اعلم، لكن ما اراه امامي من خطأ واعلم صوابه او اعتقد انه صواب سوف انصح به المقابل..
وكان للإعلامي احمد الراجحي رأي آخر قال فيه: قرار الصمت يعتمد على المستويات الثقافية للأشخاص الذين نواجههم في مختلف الأماكن وأهمية الموضوع المفتوح للحوار..
وهناك أسباب كثيرة تجعل الفرد يتخذ قرار الصمت منها: قد لا يعنيه الموضوع في شيء أو لا يمتلك المعلومات الكافية أو قد لا تربطه علاقة مباشرة معهم فيلجأ للصمت خشية أن يُفسر كلامه تدخل فيما لا يعنيه وهو المرجح عادةً..!!
واضاف الراجحي: من جانب آخر إذا كان الموضوع المتداول من اختصاص المتلقي او يرى انه ملم بجميع تفاصيله فهنا وجب عليه إيجاد طريقة تمكنه من أن يطرح رأيه، وهنا جوهر السؤال: هل الاشخاص معروفين أم لا..؟!
إذا كانوا معروفين فطريقة طرح رأيه تكون "موفقة" وإن اختلفوا معه وإذا كانوا غير معروفين فعليه استخدام مهاراته في "فن الكلام" ومقدمة معسولة بالتحيات قبل أن يبدي رأيه..!!
"لا تصمت نحن بحاجة الى الاصلاح.."
للصمت عدة اوجه وعدة اسباب؛ قد تناول الاغلبية الوجه المضيء للصمت وأسبابه المنطقية في اكثر القضايا المعروفة من قبل متلقيها، كونه فضيلة من الفضائل الموصى بها، لكن في بعض قضايا ومواقف معينة إن طال الصمت وفُضل على الكلام ستكون عواقبه وخيمة فيما بعد..
قال نبينا محمد( ص) «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرًا أو ليصمت»
وهنا نجد إن الغالبية تركز على الشطر الثاني من الحديث الشريف (او ليصمت)
مرتدين الصمت درعًا واقيًا يجنبهم الجدال بخصوص قضايا تستوجب الانتفاض لأجلها! متناسين الحديث الشريف (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده وان لم يستطع فبلسانه وان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان)..
فلا تصمت عمن يتجاوز حدوده معك تكرارًا ومن غير وجهة حق، ومع مراعاة كل ما ذُكر من آراء وحقائق آنفًا، إنتفض على صمتك وانطلق بالكلام عما يتطلب الاصلاح، كما يتوجب عليك النهي عن المنكر بكل اشكاله؛ انت كفرد مسلم مؤمن بتعاليم دينك الحنيف مُلزم بالثورة ضد الباطل والعمل بالمعروف..
تستطيع ذلك بيدك وببساطة ايضًا في وقتنا الراهن من خلال الكتابة والنشر عبر (السوشل ميديا) وانت تعلم بأن مسعاك سيصل الى اكبر عدد ممكن من الناس؛ وتستطيع أيضًا بلسانك عبر التكلم وخوض النقاش لرفع صوت الحق اينما كنت؛ وبهذا أنت لست في وضع يجعلك تلجأ الى اضعف الايمان..!
يقول مارتن لوثر كنغ: (التراجيديا الكبرى ليست الاضطهاد والعنف الذي يرتكبه الاشرار؛ بل صمت الاخيار على ذلك!).
عندما نختار الرضوخ بحجة تجنب مغالاة الشر وعدم الوقوف بوجه الظالم ضمن اي محيط كان كي لا يغضب ويتجبر اكثر، فإن ذلك سيزيده شراسة وقوة يُثبت بها سلطانه، فيبالغ بالطغيان بفضل إفتقار وجود الرادع، فالظلم يحيى بالصمت وللصمت حدود..!
اضافةتعليق
التعليقات