عندما يلتهب القلب لا يمكن فعل أي شيء سوى البكاء، لابد وأن تفيض الدموع وتنقذ القلب من الهلاك، البكاء لغة عالمية يعرفها الجميع وهذه اللغة مؤثرة جدا، حيث تؤثر على الانسان بطريقة قوية جدا والانسان يتلاطف معها بطريقة لا إرادية، عندما نشاهد حياة الانسان نجد البكاء طريقة الانقاذ حيث أن الطفل عندما يولد لا يملك قوى أخرى كي يطلب ما يريد ممن حوله فمن خلال البكاء يعلن احتياجه للحليب أو التنظيف أو ..
فالبكاء في بادئ الأمر عند الولادة دليل على السلامة وعلى أن الطفل على قيد الحياة وبعد ذلك يدل على سلامة القلب فقساة القلوب لا يمكنهم البكاء فنجد من يكون سليم القلب يعرف معنى البكاء ويدرك عظم الألم ويتلاطف مع الطرف المقابل.
يعتقد الكثير من العلماء أن البكاء مفيدٌ للصحة، حيث يساعد على التخلص من سموم الجسد النَّاتجة عن التوتر، ويعتقد علماء النفس أن عدم التنفيس عن المشاعر لفترة طويلة قد يكون خطرًا على صحة المرء، فقد أشارت بضعة أبحاث إلى أن منع الدموع العاطفية من الانهمار قد يسبِّب ارتفاعًا في نسبة خطورة الإصابة بأمراض القلب والضغط، كما أنّ دراسات أخرى أشارت إلى أنّ من يعانون من أمراض مثل التقرحات والتهابات القولون هم أقل تعبيرًا لمشاعرهم مقارنةً بالناس العاديين، وينصح علماء النفس الناس الذين يعانون من الحزن بالحديث والبكاء عوضًا عن محاولات التحكّم في مشاعرهم.
البكاء ثورة
كما نرى حياة مولانا الامام زين العابدين حيث استطاع أن يغتنم الفرصة في تلك الحقبة الملتهبة والخانقة بأن يفضح الطغاة عن طريق البكاء.
ويوصل هذه الرسالة العظيمة إلى الآخرين بأن البكاء رمز من رموز واقعة الطف وركن أساسي من أركان العزاء والمواساة مع سيد الشهداء عليه السلام وثورة ضد الظالمين، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: إن جدّي زين العابدين (عليه السلام) بكى على أبيه أربعين سنة، صائما نهاره، وقائما ليله، فإذا حضر الإفطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه، فيضعه بين يديه ويقول: كـل يـا مـولاي.
فـيقول (عليه السلام): (قتل ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عطشاناً)، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبتل طعامه من دموعه، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل .
البكاء مواساة
روي عن امامنا المهدي عجل الله فرجه الشريف في زيارة الناحية ((فَلَئِنْ أخَّرَتْني الدُّهُورُ، وَعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ المَقْدُورُ، وَلَمْ أكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِباً، وَلِمَنْ نَصَبَ لَكَ العَدَاوَةَ مُناصِباً، فَلأنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَلأبْكِيَنَّ لَكَ بَدَل الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَلَيكَ..)).
هنا نعرف أهمية البكاء والدمعة على هذا المصاب الجلل، فلو لم يكن للبكاء أهمية لما خرجت هذه الكلمات المباركة من تلك الأفواه النورانية لتبين لنا منهاجا راسخا في حياتنا وإن أقل ما يستطيع المرء فعله بأن يكون معارضاً ضد الظلم ويبين مواساته مع المظلوم.
البكاء غفران للذنوب
رَوَى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن ابْن مَسْرُورٍ، عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ، قَالَ: قَالَ الرضا (عليه السَّلام): "إِنَّ المحرم شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ! فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا، وَهُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا، وَسُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَنِسَاؤُنَا، وَأُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا، وَانْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا، وَلَمْ تُرْعَ لرسول الله حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا .
إِنَّ يَوْمَ الحسين أَقْرَح جُفُونَنَا، وَأَسْبَلَ دُمُوعَنَا، وَأَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَبَلَاء، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَالْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ .
فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَام".
بالتأكيد هناك تأثيرات وغايات وراء البكاء حتى بكى يعقوب هذه المدة وهو يعرف بأن ابنه لا يزال حيا، وهناك قدرات عظيمة وراء البكاء ليخاف منها الطغاة.
لذلك نجد على الدوام تلك الشبهات حول حقيقة البكاء وإن سيد الشهداء عليه السلام لا يحتاج إلى البكاء بل يحتاج إلى اصلاح ولكن كيف لا نبكي عليه وهو شهيد العَبرة؟
عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله عليه السلام "قال: كنّا عنده فذكرنا الحسين عليه السلام [وعلى قاتله لعنة الله] فبكى أبو عبد الله عليه السلام وبكينا، قال: ثمَّ رفع رأسَه فقال: قال الحسين عليه السلام: أنا قتيل العَبرَة، لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى وذكر الحديث".
الملائكة تبكي على سيد الشهداء عليه السلام
هنا نجد أهمية البكاء حيث إن الأنبياء والأوصياء وبقية المخلوقات من الجن والانس و.. بكوا على سيد الشهداء.
حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن رِبْعيِّ بن عبد الله "قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام بالمدينة: أين قبور الشُّهداء؟ فقال: أليس أفضل الشُّهداء عندَكم، والَّذي نفسي بيدِه أنَّ حَولَه أربعة آلاف مَلَك شُعْثاً غُبراً يبكونه إلى يوم القيامة".
وهكذا يستمر الأمر فالدمعة سر من أسرار واقعة الطف.
عن طريق الدمعة نتخلص من التهابات القلب وكدر الحياة ووساوس النفس وبعد أن يزال غبار الذنوب عن العين والقلب نستطيع أن نَعتبِر من تلك المواقف الخارقة والتي تحمل أسمى آيات العظمة والجلال.
إذن العَبرة تقودنا إلى العِبرة، وهي الطريق المختصر نحو الصلاح والاصلاح..
اضافةتعليق
التعليقات