السلوك الجمعي في علم النفس الاجتماعي: هو عبارة عن أشكال متعددة من سلوك وتصرفات مشابهة للجماهير، إذ يكون هناك إتفاق وروح من التفاعل الايجابي بين الأفراد فتكون أهدافهم متحدة وقادرة على التغير، منها انتشار التقاليد وتكوين الرأي العام، والاستجابات وردود الفعل الواحد، إلى أن يتم توارث وتناقل العديد من العادات والقيم والأخلاق بين الأفراد وبين الأجيال بشكل حقيقي ولا تزييف فيه.
لذا من الممكن للعمل الجماعي الناجح أن يعزز قوة أفراد الفريق، فهو يعمل على تحسين المهارات الإجتماعية والتواصليّة كالاستماع والتحدث الفعال. كما أن اختلاف الأفكار والآراء تساهم في توسيع دائرة العطاء ضمن تعدد أفراد المجموعة فيما لو كان القائد متمكنا وعظيما، فالفرد يسلك السلوك الذي يتوقعه منه الآخرون، أي أن السلوك هو نتاج ورد فعل لتوقعات المجتمع منه والتي تؤثر بشكل مباشر في توقعاته وتنبؤاته المستقبلية وهذه نقطة مهمة حيث يستفاد منها الذي يريد أن يعرف سلوك الأفراد في مجتمع ما أو يشتغل على قضية خاصة ليتبين له أهمية التوقعات والصور الذهنية والأحكام المسبقة التي تطلق على الفرد فيتقولب بقالبها ويسلك سلوك ينسجم معها وقد تكون هذه التوقعات إيجابية توقظ جذور الإبداع والتميز أو سلبية تخمدها.
وأول من أسس لبناء هذه الظاهرة المجتمعية هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن كانت محصورة على نظام قَبَلي وضمن فئة محدودة من الأفراد من رؤساء قبائل ووجهاء مكة، فضرب لنا مثلا عظيما في توحيد المجتمع والدعوة إلى الإسلام في زمن الجاهلية، حيث كان توحيدهم أمرا عسيراً حتى بلغ تبجحهم واستنكارهم لدعوته قولهم: "حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ".
فكان سبب التفاف الناس حول النبي ليس العقيدة فحسب كما يعتقد؛ بل يضاف إلى ذلك كونه قد أزال الموانع والتمايز والإختلافات أيضاَ. قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" في خطبة الوداع فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فقَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» أي ليوصل كل جيل هذا إلى الجيل التالي.
الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) لم يكتف بترسيخ العقيدة والإيمان، بل وجه إهتمامه إلى موانع الوحدة وما يقف في وجهها فأزالها من الطريق، كما أزال الفوارق والتمايز بالحقوق، وحارب كل موبقات المجتمع في التناحر والحقد والكراهية وأعطى كل ذي حق حقه لذا رغم الصعوبات التي واجهتها الدعوة كان التفاف المؤمنين حول الرسول قوة حتى النصر والفتح العظيم. فلا شك أن تقارب القلوب والعمل الجمعي الذي يصب في خدمة الجماعة له أثر كبير في تقدم الأمم.
يرى مؤلف كتاب (سيكولوجية الجماهير) غوستاف لوبون طبيب ومؤرخ فرنسي "أن الأفراد عندما يتجمعون في جماهير يصبحون مختلفين تماماً في سلوكهم عما يكونون عليه كأفراد. في الجماهير، يندمج الأفراد في هوية جماعية يطلق عليها اسم (الروح الجماعية). هذه الروح الجماعية تعزز من الحماسة والعاطفة وتمكن الجماهير من القيام بأعمال لا يمكن للأفراد القيام بها بشكل فردي.
لذا يعتقد لوبون أن الجماهير لا يمكن توقعها وغالباً ما تكون عاطفية، وهي تتأثر بشكل كبير بالإيحاءات والرموز.
أي تتأثر بالقدوة الفاعلة والقادرة على التغير، وكان ذاك سبب التفاف الجماهير حول الرسول. ويوضح لوبون في كتابه كيف يتم توجيه الجماهير والاستفادة من روح العمل الجماعي في تحريك مشاعرهم واستنهاض هممهم في غاية ما، والقوة التي يمكن أن تمتلكها الجماهير عندما تكون متحدة، والقدرة الفريدة للروح الجماعية على تشكيل الأفكار والعواطف والسلوكيات، هذا علاوة على اكتساب الفرد لمهارات اجتماعية ناتجة من تفاعله مع من حوله، وتذليل العوائق واختصار الوقت.
أهمية استثمار العمل الجماعي الهادف
كما هو معروف وعلى الأغلب السلوك مُتعلَم (مكتسب)، يتم من خلال الملاحظة والتعليم والتدريب، ونحن نتعلم السلوكيات البسيطة منها والمعقدة، وإنه كلما أتيح لهذا السلوك أن يكون منضبطاً وظيفيا ومقبولاً، كلما كان هذا التعلُم إيجابياً، وأننا بفعل تكراره المستمر نحيله إلى سلوك مبرمج الذي سرعان ما يتحول إلى "عادة سلوكية" تؤدي غرضها بيسر وسهولة وتلقائية.
فالعمل الجماعي قادر على تغير واصلاح نظام مجتمعي معين، فعادة ما تكون أغلب الثورات في الشعوب المقهورة نتيجة تكاتف والتفاف الأفراد للتخلص من الظلم والاستبداد، فالعمل الجماعي وسيلة لتحقيق الأهداف وإنجاز الأعمال، فاليد الواحدة لا تصفّق كما أنّ اليد الواحدة لا تنجز، والأهداف تحتاج إلى تكاتف وتضافر الجهود؛ فسنّة الحياة والكون قائمة على تكامل الأدوار وتسخير البشر لبعضهم البعض، ولتحقيق أكبر فائدة من السلوك الجماعي لابد أن تكون تحقيق الأهداف تصب في مصلحتهم جميعأ، لسهولة الوصول للهدف أو إنجاز العمل فمن المعروف أن الإنسان بطبيعته لا يستطيع أن يعيش بمعزل أو في انطوائية على النفس، بل أنه يحتاج إلى غيره من الأشخاص.
لذا العمل الجماعي يعمل على تحقيق الأهداف، واختصار المسافات، وتوفير الوقت وتذليل العوائق فعندما يقوم الأفراد بالعمل بشكل جماعي، يكونون أقدر على تحقيق أهدافهم بل وتعزيز الثقة وبناء العلاقات، والولاء فيما بينهم، أما على مداه الطويل فإنه يعمل على إيجاد القواسم المشتركة فيما بينهم، وزيادة نسبة التوافق في آراءهم وأفكارهم، ومع مرور الوقت تزيد الروابط فيما بينهم لتتعدى إلى المحيط الخارجي عن نطاق العمل كما ينمي العمل الجماعي الإلتزام وينجز العمل بشكل أسرع عن طريق توزيع المسؤوليات بين أفراد الفريق كلُ حسب تخصصه، ويسهل عملية حل المشكلات، وذلك من أجل الاستفادة من الأفكار والخبرات الموجودة لدى الآخرين والعمل على تبادلها، وتطبيقها لتحقيق الهدف المنشود للجماعة.
اضافةتعليق
التعليقات