نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي الذي يُستحب أن يُقرأ في أسحار شهر الضيافة الإلهية التي نَنعم بها في هذه الأيام المباركة، هذه الفقرات: [أَنا لا أَنْسى أَيادِيكَ عِنْدِي، وَسَتْرَكَ عَلَيَّ فِي دارِ الدُّنْيا، سَيِّدِي أَخْرِجْ حُبَّ الدُّنْيا مِنْ قَلْبِي، وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ المُصْطَفى وَآلِهِ خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ]، إذ تركز هذه الفقرات على ذكر مشاهد من قصة هذا الإنسان [العبد] المتوجه لمولاه، وعلى ماذا يجب أن يكون بناؤه وختامه.
فقصة أبينا آدم(عليه السلام) ابتدأت من تلك المعصية (بترك الأولى) إلى مقام العصمة، وهكذا فلكل منا قصته وبداياته، من ذلك الموقف الذي استشعرنا وقوف الله تعالى معنا وكيف منه أنقذنا، ومن ذلك الجرح الذي أصابنا من خذلان أهل المودة فغرس محله أملا فكان ضمادا لجراحاتنا، ومن تلك العثرة في السعي لبلوغ النجاح فمد لنا أياديه وتوفيقه فبلغنا مقصدنا، ومن تلك اللحظات التي وصلنا بها إلى مرحلة العجز فمد لنا معاجزه الخفية فحققنا مرادنا.
فتَذكرنا لتلك الأيادي (بقول أَنا لا أَنْسى أَيادِيكَ عِنْدِي) التي كانت تُرجِعنا كلما تَراجَعنا في المسير، هي من محفزات إستمرارنا في الطاعة والسعي في بلوغ الثبات، لذا من المهم أن لا ننساها لأنها مفتاح لنتذكر ذلك الباب المفتوح لنا دائما لنطرقه، فنستمد منها قوة للغد، ولنواصل المسير رغم مشقة هذا الدرب.
كما إن تذكرنا لأيادي الله تعالى وستره على معايبنا وعثراتنا (بقول وَسَتْرَكَ عَلَيَّ فِي دارِ الدُّنْيا) يجعل نفوسنا تعيش حالة الحياء منه سبحانه على الدوام، وتذوق طعم الحياة بقربه لشدة وسعة رحمته وتفضله علينا في أن جَملنا وستر منا كل قبيح، فلا نغتر بمحاسننا الظاهرة عندئذ، لأننا الأعرف بما فينا من معايب ونواقص، ولا نعيش الهوان لأن لنا هكذا إله ورب مُعز.
ثم بعد أن يُدرك العبد ويعترف بمنن وأفضال الله سبحانه عليه، يطلب منه أن يُعينه على إخراج حب الدنيا من قلبه (بقول سَيِّدِي أَخْرِجْ حُبَّ الدُّنْيا مِنْ قَلْبِي) فلحظة التذكر والاعتراف هي لحظة وجدانية ترطب قلب الداعي، ولكن الداعي الواعي هو الذي يستمد من هذه اللحظات بصيرة تعينه على الثبات في قادم اللحظات والساعات والأيام.
إذ إن إستجابة طلب إخراج حب الدنيا من القلب سيقطع عنه كل ما يقطعه ويشغله عن تذكر مولاه سبحانه، وكأنه بذلك يطلب بعد أن ذاق حالة إستشعار حضور الله تعالى في كل تفاصيل حياته، أن لا يشغله عن هذا الشعور شاغل، ولا يغنيه شيء عن رغبته بأن يعيشه حالة الإحتياج والإفتقار الدائم، فيحيا في الدنيا ولكن لا ينشغل قلبه بحبها، لأن حبها أصل كل غفلة وإحتجاب عنه سبحانه، كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال: [حب الدنيا أصل كل معصية وأول كل ذنب](١).
فإن امتلئ قلب العبد الداعي بحب وذكر سيده ومولاه، واستجيب له طلب إخراج حب الدنيا من قلبه، هنا سيصل إلى مقام سلامة القلب والإستقامة في النفس، عندئذ يحصل الترقي في الطلب بقول (وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ المُصْطَفى وَآلِهِ خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ) فيدعو بأن يكون ختام حياته هي رفقة حبيب الله ورسوله المصطفى وآله الأطهار صلوات الله عليهم [وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً].
فهذا الفقرات كنموذج يوصلنا إلى أن أدعية السحر أهميتها تكمن في أنها ترسم للإنسان خريطة حياته، وتعينه على معرفة نفسه، وتوثق علاقته بربه، بشرط ألا يكون دعائه دعاء بقلب ساه بل يكون بوعي ليكون دعائه منيرا للقلب، ومصدر هداية يوصله للصراط الأقوم.
------
اضافةتعليق
التعليقات