نحن في ايام وليالي حزينة بها غصة تأن في قلوب المسلمين والمسلمات إنها ليالي فقدان منقذ البشرية ووليها ومفكرها فهو الشخصية التاريخية التي أجمع العالم بأسره على عظمتها وحكمتها فقد قال عنها المستشرق الألماني والمتخصص بدراسات أهل البيت ريلفريد ماديلونغ "لا اأتم بالطابع الايديولوجي أو الاقتصادي وحتى التاريخي بفترة حكم الامام علي.. ما يهمني هو شخصيته وما حملته من قيم ايجابية أو سلبية هادفة أو ضارة, وبلا شك فإنه (شخصية عظيمة). فلم تعرف الانسانية في تاريخها الطويل رجلا - بعد الرسول الأکرم (ص) - أفضل من الامام علي بن ابي طالب (ع)، ولم يسجل لأحد من الخلق بعد الرسول (ص) من الفضائل والمناقب والسوابق، ما سجل لعلي بن ابي طالب (ع).
فهو ولي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فقد تربى في حجر الرسول وترعرع بين يديه ولم يفارقه طرفة عين إنه أول المؤمنين برسالة النبي محمد وأوّل المصلّين خلفه، وهو من فدى رسول الله بروحه، ونصره عند إظهار دعوته، وبفضل هذه المسيرة المشرفة والصحبة المكرمة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي نال بسببها الامام علي الآلاف من الأوسمة والمراتب العليا وفي صدارتها حيازته لتلك المرتبة التي لم يصل إليها أحد من الأنبياء والصديقين على الإطلاق، وهي المعرفة التامّة والكاملة بالله تعالى ورسوله الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقد قال عنه رسول الله (ص): "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار "...
إن صفات الامام علي عليه السلام وسماته والتي عرف بها أصبحت قاموسا لكل الأجيال ومدرسة للقيم والأخلاق، فلو وقفنا وقفة مع سيرته عليه السلام سنجدها سيرة ترفع لها الهامات اجلالا وتكريما، ولو فتحنا أولى صفحاتها المشرفة لوجدنا عدالته هي العنوان فإن عدالة أمير المؤمنين لايوجد عليها غبار فصداها يرن إلى يومنا هذا حيث سار أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في طريق العدل والعدالة بصورة جعل منها قبلة للذين جاءوا بعده ومصدر الهامهم ونموذجاً واضحاً لكل القادة على مرِّ القرون، ومصداقاً مشرِّفاً للإنسان المسلم المتكامل الذي يستطيع أن يكون قدوة في جميع المجالات..
وعندما نتحدث عن كرم الامام علي عليه السلام فإننا نتحدث عن كرم الرسول الأكرم (ص) وهذه من الصفات التي اكتسبها عليه السلام نتيجة لملازمته رسول الله (ص). فما تعود الامام علي (ع) أن يردّ سائلاً قط في حياته فهو المعروف بالعطاء ولايرد سائله أبداً وكيف يرد سائله وهو الذي تصدق بخاتمه اثناء صلاته، وبقي كرمه يصب مدراراً كشلال ماء عذب حتى بعد استشهاده وإلى يومنا هذا فلم يذهب له ذو قلب ضمآن إلا خرج منه مسرور ومرتاح حيث يأتي له عليه السلام الزائرين طامعين بكرمه وجوده. هو علي بن ابي طالب لعامة الناس لم يفرق بين مسلم أو يهودي بل كان ينظر لكل الرعية سواسية.
وعند الالتفات إلى شجاعته عليه السلام فقد كان أشجع الناس وأشدهم صلابة ومقاتلا مقداما في الحروب، فكان إذا نزل إلى ميدان القتال والنزال لا يتراجع إلى الوراء، وقد شاع صيته في هذا الميدان وبلغ مكاناً رفيعاً، فهابته الرجال وتحاشته الأبطال، بالرغم من امتلاكه هذه الشجاعة الكبيرة والقوة التي كانت تخيف أعظم الجبابرة والملوك وأعظم دليل على قوته إنه داحي باب خيبر وقصتها المعروفة، ولكن هذه القوة كانت ممتزجة في الأخلاق فقد عرف عليه السلام المقاتل الغيار ذو المبادئ الانسانية والأخلاق السامية حتى في ساحات القتال فما كان يقتل أحدا حتى يسد رمق غضبه أو ينتقم لشخصه بل كانت جولاته لوجه الله تعالى خالصة. فهو أول من وضع مبادئ حقوق الانسان من خلال مواقفه السامية وأخلاقه مع خصمه ومعاملته الانسانية لجميع من حوله.
إن مسيرة حياة الامام علي عليه السلام كانت مليئة بالتضحية والعطاء من أجل تقديم خدمة قضايا أمته، ونشر رسالة الإسلام إلى العالم، وتفضيل مصلحة الأمة على مصالحه الشخصية، والصبر على الجراح والمعاناة من أجل إسعاد الآخرين؛ بل والتنازل عن حقه في الحكم والخلافة من أجل حفظ وحدة المسلمين، وتقوية الإسلام؛ إن هذه الشخصية الكبيرة وماتمتلكها من صفاة كبيرة وعظيمة هي كنز لشيعته ومواليه ولكن مع الأسف البعض منهم لم يسيروا على الطريق الذي رسمه الامام لنا.
فبقيت جمرة نار فراقه عليه السلام مشتعلة في قلوب محبيه ويستفقدوه الأيتام إلى يومنا هذا فبعد أن استشهد علي كافل الأيتام لم يظهر شخص بصفاته عليه السلام ليكفل الأيتام وبقيت عيون الأرامل حيارى دامعات وتنظر إلى طريق اللاعودة، فقد أُسدلت ستار العدالة والعطاء والكرم بمجرد أن فارقت روحه الطاهرة جسده المكرم. وأغلقت مدرسة الامام علي أبوابها تلك الكنز الكبير الذي خلفه إلى شيعته ومواليه ولكنهم قد اضاعوا هذا الارث العظيم في طرقات الحياة العابرة.
اضافةتعليق
التعليقات