بين طيات كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين العديد من الأمور التي تناقش بطريقة السبب والمسبب والحل، وفي كلام له عليه السلام في هذا الكتاب يتكلم فيه عن الاستسقاء...
والاستسقاء لغة من [ س ق ي ]. ( مصدر اِسْتَسْقَى ). :- عَمَّ الجَفَافُ، وَخَرَجَ النَّاسُ يُقِيمُونَ صَلاَةَ الاسْتِسْقَاءِ :- : صَلاَةُ طَلَبِ إِنْزَالِ الْمَطَرِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
طلبُ السُّقْيا، طلب الإنسان من الله تعالى إنزال المطر عند شدّة الحاجة إليه.
ففي كلام له عليه السلام يقول في مطلعه: "الا وان الأرض التي تقلّكم، والسماء التي تظلكم، مطيعتان لربكم وما اصبحتما تجودان لكم ببركتهما توجعا لكم، ولا زلفة اليكم ولا لخير ترجوانه منكم ولكن امرتا بمنافعكم فأطاعتا، واقيمتا على حدود مصالحكم فقامتا"...
ففي كلامه عليه السلام توجيه بان ما ينزل من غيث هو رحمة الهية وجُود الهي فيه مصلحة العباد، نعم فهل يمكن لأي بشر ان يستغني عن الغيث؟! وهل ينبت زرعا او ينمو كائنا دون وجود هذه النعمة العظيمة التي تشكل اكثر من 70% من الكرة الأرضية..
لكن متى تنقطع هذه الفيوضات الإلهية؟؟ ومتى تجف الأرض؟؟ ومتى تزول السحاب من طرق السماء؟؟ نجد جواب لذلك في تكملة كلامه حيث يقول عليه السلام: (... ان الله يبتلي عباده عند الاعمال السيئة بنقص الثمرات، وحبس البركات واغلاق خزائن الخيرات، ليتوب التائب، ويقلع مقلع، ويتذكر متذكر، ويزدجر مزدجر).
ثم اردف امير الكلام بوضع الحل بعد ان حبس المطر وقل الثمر وانغلقت خزائن السماء حيث قال "... وقد جعل الله سبحانه الاستغفار سببا لدرور الرزق ورحمة الخلق، فقال سبحانه: ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)، فرحم الله امرأ استقبل توبته واستقال خطيئته وبادر منيته.
ولما كان الاستغفار هو سبب لدرور الرزق والرحمة، في اوله بداية البركات بنزول الماء ثم به يطلب غفران الذنوب وسترها.. التي على العبد ان يتجنب الافتضاح بها وذلك بمحوها من لوح نفسه فالمستغفر المخلص ماحياً لخطيئته بالاستغفار، وبذلك يكمل استعداده لافاضة رحمة الله عليه في الدنيا بإنزال البركات وفي الاخرة برفع الدرجات كما أشار الله تعالى في محكم كتابه بالآية السابقة..
وفي آيات أخرى قوله تعالى في التأكيد على ان العمل الصالح سبب في نزول الماء والبركات في الدنيا وسبب النعيم في الاخرة: "وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا " وقوله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ".
ثم اكمل امير المؤمنين (عليه السلام) كلامه بطلبه في نزول الغيث ولكن بطريقة الدعاء لاستنزال الرحمة والبركات فقال: ( اللهم انا خرجنا اليك من تحت الاستار والاكنان، وبعد عجيج البهائم والولدان، راغبين في رحمتك، وراجين فضل نعمتك، وخائفين من عذابك ونقمتك... اللهم اسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين ولا تهلكنا بالسنين ولا تؤاخذنا (بما فعل السفهاء منا) يا ارحم الراحمين.
الى ان اكمل دعاءه وتضرعه الى الله يطلب من العلي القدير ان يستجيب له دعاءه..
فلو نظرنا الى كلماته عليه السلام لعرفنا ان الجود الإلهي لا بخل فيه ولا منع من جهته. وانما يكون ذلك بسبب الانسان من سوء الأفعال، فيكون عمله السيء حاجزا يمنع نزول النعم الإلهية.. والتي من أهمها هطول المطر فيتسبب انقطاعه جدب الأرض وموت النباتات والحيوانات، وبالتالي حصول كوارث اقتصادية.. بسبب حصول المجاعات كما نجد في يومنا هذا في العديد من بلدان العالم.
فسبحانه وتعالى..( " وانشأ السحاب الثقال" فأهطل ديمها، وعدد قسمها. فبل الأرض بعد جفوفها وأخرج نبتها بعد جدوبها).
وأخيرا نذكر لكم صلاة الاستسقاء أي صلاة التي تصلى لطلب نزول المطر.... وكيفيتها كصلاة العيدين ركعتان في جماعة، يقرأ في كل منها الحمد وسورة، ويكبر بعد السورة في الاولى خمس تكبيرات، ويأتي بعد كل تكبيرة بقنوت، وفي الثانية اربع تكبيرات، يأتي بعد كل تكبيرة بقنوت، ويجزي في القنوت كل دعاء، والاولى اشتماله على طلب الغيث والسقي واستعطاف الرحمان بأرسال الامطار وفتح ابواب السماء بالرحمة، ويقدم على الدعاء الصلاة على محمد وآلة عليهم الصلاة والسلام.
اضافةتعليق
التعليقات