ماذا لو كان رسول الله بيننا الان؟ وما هو شعورنا نحن اتباعه، لو حلّ بين ظهرانينا؟ هل سنلتف حوله التفاف السوار بالمعصم؟ ام نتفرق عنه ونخذله ونقول له: اذهب انت وربك لا شأن لك بنا، ولا شأن لنا بك؟!
اسئلة كثيرة تلح على مخيلتنا، ونحن نعيش هذه الايام ذكرى ميلاده الشريف، تأتي السنوات وتذهب ونحن لا نزداد عن نبينا الا بُعدا وخذلانا وتقاعسا ونفورا... حتى غدونا في وادٍ ونبينا ورسالته الحق في وادٍ اخر، فيقفز السؤال مرة اخرى وبصياغة جديدة: اوَ لسنا على دينه؟ اوَ لا ننتمي الى نبي معجزته القرآن وهي رسالته الوحيدة الى العالم اجمع؟ اوَ لسنا على دين محمد؟!
ويأتي الجواب جاهزا ومعلّبا في كل مرة: نعم نحن اتباعه وامته وعلى نهجه لا شك في ذلك ولا ريب.. وهذه مناسبات ذكرى ميلاده الشريف لا زلنا نحييها بالاحتفالات النبوية، ونظهر الافراح والاناشيد والاهازيج والموشحات، لنعبّر عن مدى سعادتنا واحتفاءنا بنبينا، ونطعن فيمن يزايد بمحبته علينا، بل ونلعن من يعتبرها بدعة في دين الله!! أليس كذلك؟
ولعل خير تعبير وجدته يصف هذه الحالة، هو ما كتبته اديبة بلاد النيل آيات حسن البنّا، حين قالت في منشور لها على الفيس بوك: احتفالنا بالمولد النبوي كرجل عصى أباه دهرا، ولم يعمل بوصاياه وفي كل عام يضع على قبره وردة!!
فكتبتُ في جوابي تعليقا على منشورها: ولو انه وضع وردة على قبره ومضى لهان الامر، لكنه يعود مرة بعد اخرى يقتل ويذبح ثم يقول: انا على دين محمد!
وهل جاء رسول الله ذبّاحا وقتّالا ام جاء رحمة للعالمين؟!
وهذا كتاب الله ناطق فينا بأجمل بيان، اذ يقول عزّ من قائل:
((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)) (107). ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ))(159).
ان نبينا الاكرم صلى الله عليه واله كان بحق رحمة مهداة من رب العباد، لا شك ان كل الانبياء كان ارسالهم من الله رحمة للخليقة، الا ان نبينا فاقهم رحمة وعطفا ولينا، لان الله سبحانه اراد له بمشيئته وقدرته، ان يكون رحمة واسعة تظلل العالمين جميعا.. انه يسع بأخلاقه ليس فقط اتباعه بل الذين اختلفوا معه ولم يدخلوا في دينه، فقد وسعهم بهذه الرحمة، وشملهم بعفوه وسماحته، بل حتى اولئك الذين شهروا سيوفهم بوجهه، عاملهم باللطف والكرامة فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
اما اليوم فاننا وبنظرة سريعة لواقعنا الحياتي، نجد كم ان البون شاسع بيننا وبين رحمة ربنا المهداة؟ وكم هي القسوة التي لوّنت حياتنا بلونها القاتم؟ حتى انسلخنا عن انسانيتنا، وافتقدنا لبوصلة الرحمة واللين والمحبة.. لكن ما يُدمي قلوبنا اكثر هو سعينا لقتل اولادنا بأيدينا نحن، وهذا ما حصل قبل ايام في العمارة، فلقد انتشر خبر قيام امرأة مطلقة بقتل ابنها ( ٥ سنوات) من زوجها الاول بمساعدة زوجها الثاني، قاما بتعذيب الطفل حتى الموت، اما كان بالامكان ارجاع الطفل لوالده دون ان تراق قطرة دم واحدة؟! الم اقل لكم اننا نعيش ازمة انسانية مريعة؟!
اما الحادثة الاخرى والتي يندى لها جبين الانسانية، فهي العثور على طفلتين توأم في كيس قمامة على قارعة الطريق، دون اي ملابس او اغطية، قد مرّ على ولادتهن عدة ايام.. هل هذه امة نبي الرحمة بربكم؟!
عندما تغيب الرحمة عن القلوب ويجري تشييعها الى منفاها فانه سرعان ما يستحكم قانون الغاب فينا، ويبقى ساري المفعول يتحكم في كل مفاصل حياتنا، بل لعل حيوانات الغاب تأنف ذلك وتترفع عنه.
اننا اليوم أحوج ما نكون الى غربلة اخلاقياتنا، والعودة مجددا الى ساحة الرحمة المهداة.. الى خُلق محمد النبي الاكرم، الذي بُعث رحمة للعالمين، لنتخلق باخلاقه كي تعود الينا انسانيتنا التي غادرناها بقلّة وعينا وكثرة غفلتنا وابتعادنا عن النهج القويم.. ولا ننسى ان نعلّق هذا الشعار في أفنية دورنا: ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء.
اضافةتعليق
التعليقات