تملأ الغبطة محيا ذو الفقار ذي العشرة اعوام وهو يهم بتشييد تكيته الخاصة مع رفاقه الذين يوازونه سناً.
كل شيء في تكيتهم البسيطة يفوح براءةً مع عيدان البخور ومقتنيات الخزف والكريستال, التي تتلألأ مع وهج روحهم النقية.
يحدثنا ذو الفقار: "هذه السنة الثانية لي وانا أجهز هذه التكية, بدايتي كانت صعبة فلم اكن املك المال الكافي لشراء المصابيح وما يلزم لها, لكن بتوالي الايام تطوع اصدقائي بمساعدتي وتزويد التكية بما ينقصها من حاجيات ومنذ ذلك اليوم ونحن نسعى بتوسيعها, فقد ازداد هذا العام عدد المشاركين بها كما احضرنا الكثير من المصابيح المزركشة لتعلو رفوفها لتجذب انظار الزائرين".
براءة أطفال تحاكي واقعة الطف
ما ان تدخل كربلاء في شهريّ محرم وصفر حتى تشعر ان الحزن يتدفق منها, اذ تعتلي الرايات والسواد واجهات اصحاب المحال وترتفع مكبرات الصوت بقصائد الرثاء ايذاناً بالفاجعة, ومن جانب اخر تبهجك قداسة التكايا الحسينية, التي تحاكي واقعة الطف وقد ملأت الطرقات في كل شارع وزقاق.
وخلف سر تعلق واصرار الطفل مجتبى صديق ذو الفقار بتشييد هذه التكية التي تجعله يتخلى عن مصروفه وتحمله أعباء العمل من تنظيف وغيرها قال: "انا سعيد بذلك اود ان اشارك في خدمة زوار الحسين عليه السلام, فقد قمنا بتوزيع الماء والشاي على الزائرين الوافدين, وسنستمر الى ان ينتهي شهري محرم وصفر".
مجسمات لعقد النذور
لم تستوقف التكايا الزائرين بجمالها الآخذ فحسب, بل هناك من يضع بها مجسمات رمزية مثل خيمة القاسم, أو مهد الرضيع او قربة ابا الفضل العباس, اذ يقوم الزائرين بعقد نذورهم بهذه المجسمات ووضع بعض من النقود داخلها, واغلب ما يعقدن النذور بهذه المجسمات هُنَّ النساء وبالذات لمهد الطفل الرضيع لطلب الذرية.
وبهذا الجانب حدثنا الحاج كاظم الزبيدي والد الطفل مصطفى احد المشاركين بالتكية قائلا: " لقد حضرت مع ولدي لمساعدته بنقل بعض المصابيح والمرايا, ولأني اعمل نجارا ساهمت بصنع مجسم لمهد الطفل الرضيع للتبرك به ولعقد النذور لعقيدة الكثير من الزائرات بذلك".
واضاف: "إن انتشار تكايا الاطفال انما هي أسوة بالتكايا الكبيرة التي تشيّد في كل انحاء المدينة وعلى مسار الطرق الخارجية، التي يسلكها الوافدين، بالإضافة الى كونها مشعر حسيني للتعبير عن مواساة الإمام الحسين عليه السلام في ذكرى الواقعة".
وتابع قائلا: " كما هناك بعض التكايا تقوم بتقديم الخدمات, فهي تقام لاستقبال الوافدين لزيارة الإمام الحسين عليه السلام، مثل المشروبات والحليب او الشاي والماء وغيرها".
بينما قال الشاب مهند حسن احد المتفرجين: "احب رؤية هذه المصابيح الملونة وكثيرا ما التقط لها الصور للذكرى".
وعن ما تعني هذه المصابيح الملونة قال: "حسب ما سمعته وما قرأت عنها بانها ترمز استذكار الواقعة بقدوم الحسين (علية السلام) اذ تضم بعضها صور تحاكي واقعة الطف, وفي مساء يوم العاشر يقوم اصحاب التكايا بإطفاء المصابيح بعد استشهاد الإمام الحسين واصحابه وأهل بيته (عليهم السلام) وتستبدل الفوانيس الملونة والمصابيح بالشموع للتعبير عن الحزن الشديد الذي التف حول المدينة بعد الواقعة وفي اليوم التالي ترفع بالكامل وتستبدل بالمواكب الحسينية, حتى يوم الدفن تتوقف بعضها ويعاود مزاولة الحسينيون نشاطهم في العاشر من شهر الصفر استقبالا للزيارة المليونية زيارة الاربعين".
ختم حديثه: "اسأل الله ان يجعلنا من خدام الحسين (عليه السلام) وانصار حفيده قائم آل محمد الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف".
ثقافة متوارثة
عفوية تستنطق الحجر لأطفال ساروا على نهج ابائهم, فان ظاهرة تشييد التكايا من قبل الأطفال انما هي ثقافة متوارثة بين الأجيال، لم تنقطع منذ مئات السنين وهي ترمز الى رسالة لنشر المبادئ الإنسانية كالتعاون والإيثار والكرم والتضحية.
وعن اهمية التكايا والشعائر الحسينية شاركنا الشيخ عبد الكريم هادي مستهلاً حديثه: "من طبيعة العقل البشرى النسيان وإلا انفجر أو امتنع عن الاستقبال وهذه نعمة أخرى للخالق العليم (جل وعلا) وقد كان لواقعة الطف الأليمة من المعاني الإلهية العميقة التي أرادها الباري لأن تكون محورا ازليا ومنارا تستلهم منه الإنسانية العبر والمعاني الخالدة التي حفظت للإسلام حيويته عبر العصور رغم كل محاولات التعتيم والتشويه, ومما لاشك فيه أن المراسم العاشورائية ومنها التكايا هي بمثابة المسارح التي تتجسد فيها معاني التواصل الإنساني مع رموز الثورة الحسينية المتجذرة في ضمائر الباحثين عن العدالة والحرية والكرامة, ولكونها أزلية فلا بد من دماء جديده تؤمن استمراريتها ولهذا يستلزم أن تتأصل في الأجيال المتعاقبة من خلال تكايا الأطفال والشباب".
اضافةتعليق
التعليقات