ليلة الجمعة السابع عشر من ربيع الاول، عام الفيل، كانت ليلة مختلفة عما اعتادت عليه قريش، امتلئت السماء بالنجوم بعد ان رُميت الشياطين بها، هرعت قادة قريش مما يجري وظنوا انه قيام الساعة التي كانوا يسمعون اهل الكتب يذكرونها!.
حتى قال عمرو بن امية "احد كبار الجاهلية": (أنظروا هذه النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان بها فهو هلاك كل شيء، وان كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو امر حدث)*..
سمعوا اصوات الاصنام وهي تنكب على وجوهها، انتشر نور في الارجاء، تتبعوا المصدر فوجدوه في بيت عبد الله ابن عبد المطلب تساءلوا فجاءهم الجواب من الطهر امنة بنت وهب :
(لما قربت ولادتي رأيت جناح أبيض قد مسح على فؤادي فذهب الرعب عني.. ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته، فسمعت نداء: طوفوا بمحمد شرق الارض وغربها والبحار، لتعرفوه بإسمه ونعته وصورته).**
ثم قالت رضوان الله تعالى عليها: (ان أبني والله سقط فأتقى الارض بيده، ثم رفع رأسه الى السماء فنظر اليها، ثم خرج مني نورا أضاء كل شيء وسمعت في الضوء قائلا يقول: إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمدا).***
ولد محمد صلى الله عليه وآله سراجا منيرا مبدد ظلمة الكون والقلوب التي عمت الارض والانسانية بعد ان قُبض المرسلين وحرفت كتبهم واندثر ذكرهم .
ولد اكثر الناس شفقة على الخلق وارأفهم بهم، ملاذ التائهين وأمان الخائفين وشفيع المذنبين واجمل صفاته الصادق الامين المبعوث رحمة للعالمين .
فكان صلى الله عليه وآله واضع اساس التعامل مع الانسان بما هو انسان حاث على احترام البشرية جمعاء برغم انتماءاتهم ودياناتهم داعياً الى هداية الضالين بالحكمة والموعظة الحسنة .
حتى جاء في خطبة الوداع ماروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (أيها الناس إن ربكم واحد وإن اباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، وإن اكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى).
بعد ان قُبض رسول الله انقلب البعض على أعاقبهم فنصبوا العداء لوصيه علي عليه السلام واضاعوا حق ابنته فاطمة عليها السلام وقتلوا اولاده الحسن والحسين، وابدلوا سنته وخالفوا اوامره وكادت الامة ان تعود الى الجاهلية بعد ان انتشر ظلم الحكام وفسادهم، فشاء الله تعالى بعد مايقارب 70 عام من رحيل الصادق الامين ان يخرج الى الدنيا في نفس اليوم المبارك السابع عشر من ربيع الاول صادقاً آخر هو امتداد لنور النبوة وحاملا لعلومه ناشرا لسنته أنه جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام .
مارس الإمام الصادق عليه السلام مهماته ومسؤولياته العلمية والعقائدية كإمام وأستاذ، وعالم سابق لزمانه لا ينافسه احد فقد كان فريدا في علمه.. افاض المعارف على علماء عصره، فكان اساس للعلوم واب لكل معرفة لا سيما في الطب والكيمياء .
بعلو مقامه الامامي ومكانته العلمية كان في قمة الاخلاق فمن مكارم أخلاقه سلام الله عليه أنه كان يحسن إلى كل من أساء إليه، وقد روي أن رجلا من الحجاج توهم أن هميانه قد ضاع منه، فخرج يفتش عنه فرأى الإمام الصادق (عليه السلام) يصلي في الجامع النبوي فتعلق به، ولم يعرفه، وقال له: أنت أخذت همياني..؟.
فقال له الإمام بعطف ورفق: ما كان فيه؟..
قال: ألف دينار، فأعطاه الإمام ألف دينار، ومضى الرجل إلى مكانه فوجد هميانه فعاد إلى الإمام معتذراً منه، ومعه المال فأبى الإمام قبوله وقال له: شيء خرج من يدي فلا يعود إلي، فبهر الرجل وسأل عنه، فقيل له: هذا جعفر الصادق، وراح الرجل يقول بإعجاب: لا جرم هذا فعال أمثاله .
أنار القلوب وسقى العقول معرفة بعد ان اقفرها الجهل، نشر الاخلاق المحمدية بعد ان دثرها دُعاة خلافة الرسول .
ونحن الموالين لصادقين (نبينا الصادق الامين، وامام مذهبنا صادق العترة)، كيف عكسنا نورهم الى البشرية، كم حملنا من اخلاقهم النورانية؟.
اضافةتعليق
التعليقات