تنعى النفس، وتلبس جلباب السواد في يوم فقد الإمامة عزيزها، باب من أبواب حجتها على خلقه وقد أدركت أن بيت الصبر والعطاء قد خضب سما موقوتا، غدرا من عصابة الظلم والدهاء، بني العباس لعنهم الله ..
فلندع ذاك الجسر يتكلم عن فقد الشيعة لسليل النبوة بصوت العزاء، وبنوحة الجزع لإمام الرافضة .يخنع الضمير لقليل من كثير نجوى ، وتدعم بيت قصيده بأداة الريب قلما وفكرا ولم ينجو منه إلا من نهل علما صافيا من عقيدة ، لأنهم اتباع الثبات في عين الحقيقة ، يبقى الحزن مطرقة تذم النفس على تقصيرها تجاه أولياء الله ، فلم يجف جفن البصيرة من فكره ، وقد احتفظ ب قارورة دمعه.
لأن كتاب الابرار يدعو إلى نشر التوحيد وكسر القلم المستورد ، وقطع قامة المرتزقة لبيت الظلم والظالمين وفضح رؤاهم ورؤيتهم ، حتى أن بطون قوافيهم حائط مزيف لايستند على أساس المعنى بل فضيحة حب المادة وكرسي عقيم .
وقفوهم إنهم مجرمون ، حسابهم عقيم يشهده المؤمنون و يدهم ألواح حق لا تذوب ولا تضمحل، وناعي الثورة بيده سيف الانتصار .في مثل هذا اليوم ، رقدت أنفاس الامام على سرير الألم ورقيب المنية ، محور الإمامة وشاهد النبوة وشهيد الطامورة وثقل الحديد المعذب في غياهب السجن الإمام الكاظم عليه صلوات الله عين التجلي والرضا بقضاء الله وقدره.
كيف للغم والهم وصال لتهدأ أنتها ، وينقطع زفيرها لفقدها سليل النبوة وموضع رسالة المصطفى صلوات الله عليه ، لقد كانت رسالة من نوع آخر ، وفجر لقب بمعاني كثيرة ،
ميزة تشابه ، بثورتها ورواق فكرها وماساتها بثورة الامام الحسين ، ضمن معالي المواقف ، لأن الله كتب على نفسه أن ينصر أولياءه ..
تعاضد دلائل المأساة ، وقساوة أسلوب الظلمة ، وغياب المنحى العقدي بين صفوف المسلمين ، وتفرد الإمامة في مواجهة ذلك ، وسرية التعامل بين القائد والمقود خوفا على الشيعة من البطش ، والوحدة التي بانت على حياة الإمام وغربته .. وقلة يد العون لبيت الطاعة .. قد انحصرت زوايا صداها عنوة ..
في تحف العقول ، قال الامام الكاظم في وصيته لهشام ابن الحكم :
(يا هشام .. الصَّبرُ علَى الوحدة علامةُ قوة العقل ، فمنْ عَقل عنْ الله تباركَ وتعالى اعتزلَ أهل الدّنيا والرَّاغبين فيها ، ورَغب فيما عند ربهِ [وكان الله] آنسهُ في الوحشة وصاحبهُ في الوحدة ، وغناهُ في العيلة ومعزّهُ في غير عشيرة )..
في شخص الامام عليه السلام ، علم وفصاحة وحق ووداعة ، كتب خنصره مواجهة ، وكافة ما تعلق به فكر مسلح سواء سكت أو تكلم ، سبح أو صلى ، قرأ أو بكى ، سجد أو ركع ، لم تنم عينه عن ذكر الله ولا يسكت فؤاده من لذة مناجاته ، خضعت جدران الطامورة لأمره ، وسجدت تنتظر الفرج وضجت لعذاباته وكان حديث وقتها وسهادها تنتظر تأشيرة من غيب الإمام ، لتطمر أفواج الظالمين، ولكن دورها هو احتضان بيت الرسالة وتأميم بيت الحضارة فيها لتحظى بشفاعة الولي الساجد فيها.. نعم كانت مادة السجن تعتيم قهري على الإمام الهمام وقد كبلت يداه ورجلاه لإعاقة راحلة العقيدة عن المسير في تبليغ كلمة الله في أرضه ..ولكنهم أخطأوا في فهم الإمامة ومعرفة التوحيد ، وإن الكون قد أعطى مفاتيحه بيد أهل الكون وساحة قدس الله سبحانه بيد أهلها ودعاته.
ارتسمت منافذ الادعياء الظلمة على ربط قوام التبليغ وجعل عامود الكفر كساطور يقطع به أعمدة العرش الإلهي المنزل على وليه الامام الكاظم سلام الله عليه .. الا انهم اندهشوا من خيبتهم في فهم معاقل النبوة المجسدة في شخص الامام الكاظم وكان حال لسانهم ... ما هذا ببشر أن هذا إلا ملك كريم …
نعم ، إن عباءة التوحيد شرف عظيم لمن قدر قيمتها وعرف كيف يلبس ويتصرف بوعي وإدراك، نحتاج في هذا الزمن العتيد، إلى روابي وحقول تربية لذات الأصالة ، وأن زمن العقيدة يحتاج إلى أكاديمية معرفة غفيرة لبيت الإمامة وأسلوب مواجهتها ، وقدرتها الغيبية ووسعة توجيهاتها وان جوبهت بالسلاسل والحديد...
إذن هل تخرمت عباءة العبادة ؟!
بالطبع كلا ، بل تتجدد وبمراحل صداها ، وبين طياتها تجوب سواعد وموالين ومحبين تزداد على عدد النبض ، وتكتظ على مدى استلهامها ، وتبكي الفقد حبا وعشقا لإمامها...
وعمدا من أهل الفظاظة والظلم ، كسر السواعد وبمختلف الوسائل وعلى مر الدهور.. لكي تتحكم هي بجذورها ولا تفقد صواع ملكها وتكتب من الخالدين نعم إن الوهم الذي أصابهم إنما هو ابن ذاك الاب الذي أصابه الفزع عند موته وقد أدرك مافعل في فدك…
تقول الروايات كان السندي يركل وجه الامام برجله ..!!
أفي أيِّ كفٍّ يلطمُ الرجس وجهه ومـا هـي إلا فرع لطمة فاطم
كان السندي يأمر بضرب الامام عليه السلام بالسياط بغير جرم ولا ذنب بأوقات مختلفة في اليوم الواحد..
يقول ابن سويد: عندما دخلت على الامام في سجن السندي كنت أرى أثر ضرب السياط والخيزران على وَجهِ و بَدَنِ الامام موسى بن جعفر و كان مِعصَمُه وساقه يسل دماً من أثر قيد الحديد وكان السندي يقيد الامام الكاظم بثلاثين رطلا من سلاسل الحديد يقول ابن سويد فبكيت عندما شاهدت الامام بهذا الحال فلما بكيت وبكى الامام وقال يابن سويد.انا لا أبكي من ألم التعذيب وانما أبكي لأن السندي يشتم أمي فاطمة الزهراء .
زواحفهم هي المكبلة بدينونية أفكارهم المزيفة ، وان حقيقة مافعلوه أن هو إلا صدأ جحورهم ، وصدى ما حوته أوعيتهم من ضلال ..
فكان مصيرهم ، أن تاهوا في الأرض عمرا لا زوال له ولا عمرا محددا بل طامة كبرى وما ادراك ما الطامة ..
حتى أن جيل المخالفين من اتباعهم قد فقدوا الوسيلة وجثت على صدورهم أغلال وأعتدة الخطأ وبيته العقيم.. لأن الغيب حليف من رفع راية الولاية ، والخيبة على من انتكس ..
في عقيدة الرافضة ، أن السجن رسالة ، وترابه ملهم أفئدتهم ، وعلى عدد ذرات رماله سجدة نور من أنفاس الامام الكاظم صاحب السجدة الطويلة .. جيل اليوم يحتاج إلى دراسة جديدة وعميقة لفهم رسالة الإمام الكاظم عليه السلام ، وقراءة كتابه بتنهيدة ذات فروع مخصصة لفهم مراحل رسالته العظيمة بدءاً من إمامته وحتى استشهاده سلام الله عليه ليفهم القاصي والداني في العالم، أن ثورة الامام اتسعت الحكمة بكل فواصلها ، كما وكيفية ، ورسالته قوام الاستجابة لله في كل ظرف ، وسجوده تحدي قيامة التوحيد وبديل لايفرط به في مواجهة الضلال .
ياترى أين خبأت منافذ النور باب إقامتها وقد كان عامود العرش ضيفا مباركا في طامورة الامام الكاظم عليه السلام ..؟!
هل كان السؤال ملزما بالإجابة ، أم بصمة جدران الطامورة كصوت قرآن يرتل آيات نجاة لجيل الاستقامة كفيلة بالوضوح؟!
يفهمها البعض ، إن الأسى حليف الكلمة وإن الدمعة نجاة لهم في كل برهة زمن ، ومن كان على نور من ربه يفهم أن رسالة العصمة مهددة بكل وسيلة ، وإن حبل الله المتين بصائر بلورها الولي الساجد المعذب في قعر السجون وظلم المطامير.. لذا يبقى الساذج واقفا على محطته دون تجدد أو ابداع في قافيته ، يفقد حينها شخصه بين عوالم الخطأ فيجوب متاهة الدنيا كالأعمى ..
من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، لابد من انسيابية في الأفكار ، وجودة في الطرح، وأسلوب لائق لتخرج العقيدة عن صمتها ، وتترك هامش غربتها ، لتقود الرفض المطلق بكل وضوح.
وعلى مدى أفكار المذهب يترجل الرافضة بمبادئهم ويتقلدوا وسام انتمائهم، تعلوهم قمم من نجاة إمامهم الكاظم صلوات الله عليه مكتوب عليها: هذا إمام الرافضة ..
اضافةتعليق
التعليقات