تلاقت إرادتان شيطانيتان في النيل من سبط الرسول (صلى الله عليه وآله): معاوية وجعدة، وهما يخطّطان لمؤامرة قذرة، لم يكونا لوحدهما بالتأكيد، بل كان الشيطان ثالثهما، يؤزّهما أزّا ويزيّن لهما أعمالهما ويمنّيهما بالنصر والغلبة.. فيا لها من حلقة شيطانية أرادت أن تطفىء نور الحسن، فإذا بنوره يزداد انتشارا واتساعا في قلوب المحبّين.
فأين هو معاوية الطاغية؟ وأين شريكته الغدّارة الساقية؟ أليسا هما الآن في مزبلة التأريخ، تلاحقهما اللعنات أينما ذكرا؟
فكفى بذلك واعظا وزاجرا. من يعمل سوءًا يصب سوءًا ولو بعد حين.
فسلام على الكبد الحرّى.. وهي تتقطع من السم صبرا..
سلام على المسموم وهو يتلقى الطعنة من أقرب المقربين إليه..
سلام على من تلقّى نعشه النبال وهو محمول على الأكتاف، ويكأنّه يواسي أخاه الحسين يوم تلقّى جسده الطعنات، بسيوف الرعاع الأجلاف.
فسلام على سيدّيْ شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وهما يُزفّان إلى الجنان والحور الحسان.. واللعنة الدائمة على مَن استحل الحرمات، واستعان بجنود إبليس من الآبقين والآبقات. فلينظرنّ معاوية ومن لفّ لفهُ من الأدعياء الأشرار، لمن الفلج يومئذ ولمن عقبى الدار، {تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار}.
ماذا ربحت جعدة من قتل الحسن عليه السلام؟
سؤال يُوجه لجعدة نفسها، فلقد أقدمت على أمر عظيم، تكاد الأرض تميد بأهلها من هول ما حدث. ولكن.. هل أعطى معاوية شريكته في الجريمة ما رغبت به من مطالب ومغانم؟
التأريخ يقول لنا: لم يفِ معاوية لجعدة، فقد تنكّر وأدار ظهره لها.
تقول الرواية التأريخية: إنما دس إليها معاوية فقال: سُمّي الحسن، وأزوّجكِ يزيد وأعطيكِ مائة ألف درهم، فلمّا مات الحسن بعثت إلى معاوية، تطلب إنجاز الوعد، فبعث إليها بالمال وقال: إني أحب يزيد وأرجو حياته، لولا ذلك لزوجتّكِ إيّاه.
وقال الشعبي: ومصداق هذا القول أنّ الحسن كان يقول عند موته، وقد بلغه ما صنع معاوية: لقد عملت شربته وبلغ أمنيّته والله لا يفي بما وعد، ولا يصدق فيما يقول.
فماذا ربحت ساقية السم غير الويل والثبور وسوء المآل والمنقلب؟
فليخطط الأشرار ما شاء لهم أن يخططوا، فلن تكون الغلبة إلا لإرادة الله سبحانه. والله غالب على أمره، وتلك الأيام نداولها بين الناس. فكم من شر قد استقوى أصحابه به، يظنّون أنّ انتشاره وبقاؤه هو النصر بعينه، وإذا بهم يكتشفون إنما هو نصر موهوم، سرعان ما يتبخّر كفقاعات هواء تحت ضربات الحق وأصحاب الحق.
فلا تستعجلوا الفرح، ولا تغرّكم أيامكم المستوسقة لحكمكم، ولا تركنوا لدنيا تتقلب بأهلها من حال إلى حال، فإنّ الأمور كما يقال بخواتيمها، ولا يصحّ إلا ما أراده الله.
فها هو ذكر الحسن المجتبى يسطع في آفاق الكون، جوده.. كرمه.. شمائله.. سؤدده.. وجميع ما حباه به المولى من خصال فريدة وأخلاق حميدة.
فطوبى لمن تمسّك بالعترة الهادية، وطوبى لمن أخذ عنهم واستمسك بعروتهم.. وآثرهم ولم يؤثر عليهم أحدا.
اضافةتعليق
التعليقات