من الأساطير المتداولة في ثقافات الشعوب، يلجأ رجال القبيلة في حال لم يستطيعوا قطع إحدى الأشجار العملاقة بعد محاولاتهم المتكررة، بالوقوف والصراخ بصوتٍ عالٍ لأيام متواصلة على تلك الشجرة، وبعدها تذبل وتهوي على الأرض.
وهي أسطورة نابعة من الأيمان لخطورة طرق المعاملة السيئة والكلام الجارح على الإنسان والطبيعة منذ طفولة العقل البشري ولسنا بصدد معرفة هل هي حقيقة أم خرافة ولكن السؤال هو إذا كان الكلام الجارح والمواقف المؤلمة تفعل فعلها مع الشجرة فكيف بالإنسان؟!.
هل يهوي ويموت معنويا أو جسديا إذا تعرض للأذى والألم الكبير؟.
بالطبع يتعلق الأمر باختلاف نظرة الشخص حيال المواقف والتجارب التي مر بها وتفسيرها والتعبير عنها، أما تكون دعامة للقوة والصمود تمنحها له أو دليل انكسار وخجل وهروب.
تقول الكاتبة ناتالي ساروت في إحدى حواراتها: "حاولت أن أحيي الأشياء التي أتذكرها في أجمل طريقة، ولكن مع رقابة ذاتية قاسية كيلا أشطح بعيداً عن الواقع".
وهو كلام تذكرته وأنا أشاهد فيديو الجزائرية حنان تكجراد، وكيف بانت علامات الشموخ والمصالحة مع الذات لتكلمها عن ماضي من المفترض أن يكون موجعا، وذكائها في تحويل أحداثه إلى قوة وعزيمة وصمود، وحنان تكجراد الأولى على جامعة هارفارد ألقت خطابًا تاريخيًا مؤثرًا يوم تخرجها أمام الطلبة وبحضور أنجيلا ميركل.
تكلمت عن حياة الفقر والعوز والأيام الصعبة قبل الحرب الأهلية الجزائرية، وأعطت نصيحة عن تجربة عاشتها، فالنصيحة هي عدم الاستهانة والتكاسل في فعل الأشياء الصغيرة المفيدة فقد تُغير حياة الآخرين، أما التجربة فهي مساعدة بسيطة من غريب لكتابة استمارة اللجوء لفرنسا لأن والدتهم لم تكن تعرف القراءة والكتابة.
فهي لم تشطح بعيدا عن الواقع ولم تجلد ذاتها وتعاتب الزمن لمرارة المواقف التي مرت بها وبعائلتها.
ونادية مراد هي الأخرى تكلمت عن أمور ليس الكثيرات يملكن الجرأة والشجاعة ويقدمن على ذكرها مثلما فعلت، وكيف كانت عُرضة للاغتصاب الجماعي من قبل جماعة "الدواعش".
عرضت كل تفاصيل الأحداث بقوة وصلابة، ولشجاعتها وصدقها وهي تروي أحداث يقطر القلب لها دما لبشاعتها وظلمها تم تعيينها من قبل الأمم المتحدة سفيرة للنوايا الحسنة في 2016، وتعيينها هو الأول من نوعه لواحدة من الناجيات من تلك الجرائم.
وكم من مستعبدة حفزتها شجاعة نادية لتبوح بحاضر أو ماضي مظلم للعلن.
من ضمن التصورات الغالبة لدينا إن كل شخص يتعرض لحياة مريرة ومواقف صعبة يكون شخص يائس وفاشل، إحدى الدراسات الحديثة أثبتت العكس، والتي طبقت على أطفال غالبيتهم قد عانوا من اضطرابات كثيرة في سن مبكرة.
واكتشفوا إن اغلبهم قد اتخذوا إستراتيجية السرعة في اتخاذ القرارات، حين قاموا بتخيير الطفل ما بين تناول قطعة "حلوى" على الفور أو مكافأته بتناول قطعتين إذا استطاع أن ينتظر فترة قصيرة من الوقت.
وكانت النتيجة أن الطفل الذي عاش طفولة طبيعية، يفضل الانتظار والحصول على المكافأة، في حين يعمد الطفل الذي عاش في ظروف قاسية إلى تناول قطعة "حلوى" فورا طالما سنحت له الفرصة بذلك، وحتى يتجنب حدوث ظروف مفاجئة تمنعه من تناول تلك القطعة.
الكلام والمواقف الصعبة تسقط الأشجار العملاقة وتدمر الانسان وهو بناء الله وخليفته في أرضه، فقط الذين يصنعون أرضا قوية للتسامح مع النفس والغير ويؤمنون بأجزل العطاء يصعب انكسارهم وإماتتهم.
اضافةتعليق
التعليقات