التباين الطبقي لأفراد المجتمع الذي خلفهُ الإنهيار الاقتصادي للبلاد في العقود الأخيرة بات واضحاً على النفوس أكثر منهُ على الجيوب فصار التباهي صفة للطبقة الغنية بمالهم وسياراتهم الفارهة وقصورهم الدنيوية، والمصيبة الأدهى أن هذا التباهي لم يقتصر على الماديات وحسب بل تعدى حدودهُ حتى صار ذو الشباب القوي البدن يتقوى ويتباهى بشبابه على من هم أقل منهُ في هذا الجانب وصار صاحب العلم متكبراً بعلمه الناقص على من ابتلاهم الله ببطئ الفهم أو ضعف الاستيعاب حتى يأتي هذا الذي يعلم قليلاً من كثير يشيخ برأسهم وينتقص من عقولهم.
أما أصحاب السلطة وذوي القدرة المتجبرين الطغاة يستنزفون الأقل منهم، يستمرون بتسخير سلطتهم في إذلال الناس تشفياً لغليل نقصهم المعنوي وأمراضهم الروحية بل تمثيلاً لـ(داء العظمة) الذي يسري في عروقهم فيظهرون كل ما يحملونه من البشاعة.
والفئة الأخرى هي التي تستعبد المديح وتغني لمن يمدحونهم فيفعل الخير لا لأجل مستحقيه ولا لمثوبة الخير نفسه بل رياءً للناس ومحبةً لتجمهر الجموع حولهم فيذهب جهدهم هباءً نتيجةً لكونهم أشخاصاً يستلذون بالتعظيم والثناء أضعافاً مضاعفة من حبهم للثواب وتمهيداً للآخرة قبل الدنيا.
إن هذه الفئات المذكورة هم بيننا بل يتسيدون الحياة بكل الجوانب ويقتنصون المناصب الإدارية بكل سهولة وهذا الكلام لا يشمل الكل بل البعض، لكنهم في واقع الأمر آفة مجتمعية وغزو يأكل المجتمع تباعاً فمن المفترض أن يراجع الإنسان نفسهُ فيما إذا كان من أحد تلك الأنواع ولو كان أحدها لابد له أن يبدأ بالخطوة الأولى في طريق إصلاح الذات ويطبق الدعاء عملياً (اللهم لا ترفعني في الناس درجة إلّا وقد حطتني عند نفسي مثلها) ويحاول أن يكبح جماح عُجبهِ بنفسه مهما وصل إلى درجة مالية أو درجة علمية عالية.
لأنه بالنتيجة فوق كل ذي علمٍ عليم ولا يمكن للإنسان أن يحتوي العلوم بكاملها لأن هذا غير منطقي أبداً فيبقى الكائن البشري محدود الإمكانيات والقابليات مهما حاول الاستزادة واستمر فيها من أول ما بدأ بالإدراك والوعي حتى آخر لحظة من حياته.
فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا النحو: (يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْتَرِسَ مِنْ سُكْرِ الْمَالِ وَسُكْرِ الْقُدْرَةِ وَسُكْرِ الْعِلْمِ وَسُكْرِ الْمَدْحِ وَسُكْرِ الشَّبَابِ فَإِنَّ لِكُلِّ ذَلِكَ رِيَاحاً خَبِيثَةً تَسْلُبُ الْعَقْلَ وَتَسْتَخِفُّ الْوَقَارَ)1
فإن أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في هذا الباب كثيرة جداً وتفصيلية في تقديم الحلول لهذه المشكلة الجوهرية في الكائن البشري فالله عز وجل قد خلقنا في تركيبة طينة تكوينية مقسومة بين الخير والشر وإن الإنسان باختياره ينمي ويكبر الطينة التي يريدها.
اضافةتعليق
التعليقات