دور المرأة في الحياة والعمل لا يقل أهميةً عن دور الرجل، ولا شك أن الديانات السماوية جاءت بإكرام المرأة والحفاظ عليها وصيانتها عن ذئاب بني الإنسان وسوء أفعالهم، وتواجه المرأة في الوطن العربي تحديات بمجال عملها فهي تتحدى المجتمع وتنزل للميدان رغم الظروف البيئية والعائلية المحيطة، حيث إن البعض من الناس ما يزال يعتبر المرأة التي تعمل في السوق (امرأة ذات سمعة غير جيدة) فالمجتمع لا يتقبل عمل المرأة، رغم إن هناك الكثير من النساء لم تستطع أن تكمل مسيرتها وتوقفن عن العمل بسبب هذا الأمر.
وتشير الإحصاءات إلى أن هناك أقل من 15% من النساء يشاركن في سوق العمل في كل من العراق والأردن، و 26% فقط في لبنان، وتُعدّ هذه النسب من بين أدنى معدلات مشاركة المرأة في العمل على مستوى العالم.
هذا بحسب دراسة جديدة صادرة عن منظمة العمل الدولية نشرت عشية اليوم الدولي للمرأة، تظهر أن مشاركة الإناث في القوة العاملة العالمية تبلغ 48.5% في عام 2018، أقل بنسبة 26.5% من معدل من الذكور، وبالإضافة إلى ذلك، زاد معدل البطالة العالمي للنساء لعام 2018 بنحو 0.8% عن معدل الرجال. وإجمالا، لكل عشرة رجال يعملون يناظرهم ست نساء فقط.
وتعقيبا على ذلك، تقول المديرة العامة للسياسات في المنظمة ديبورا غرينفيلد "ما زال أمام المرأة في سوق العمل شوط طويل. سواء كان ذلك يتعلق بالحصول على عمل أو بعدم المساواة في الأجور أو أي شكل آخر من أشكال التمييز، يتعين علينا فعل المزيد لعكس هذا الاتجاه المستمر وغير المقبول من خلال وضع سياسات مصممة خصيصا للمرأة، مع مراعاة المطالب غير المتكافئة التي تواجهها في الأسرة ومسؤوليات الرعاية."
وتشير البيانات إلى وجود تباينات كبيرة تبعا لثروة البلدان، فعلى سبيل المثال، فإن الفروق في معدلات البطالة بين النساء والرجال في البلدان المتقدمة ضئيلة نسبيا، بل تسجل النساء معدلات بطالة أقل من الرجال في أوروبا الشرقية وأمريكا الشمالية، فيما تظل معدلات البطالة بين النساء ضعف معدلات الرجال في مناطق مثل الدول العربية وشمال أفريقيا، حيث تسود أعراف اجتماعية تعرقل مشاركة المرأة في العمل بأجر.
وتظهر الدراسة أن النساء، مقارنة بالرجال، غالبا ما يخضعن لظروف عمل ضعيفة دون عقود مكتوبة، واحترام تشريعات العمل والاتفاقات الجماعية، وفي حين أن حصة الإناث من العاملات في المشاريع الأسرية في البلدان الناشئة قد انخفضت على مدى العقد الماضي، فإنها لا تزال مرتفعة في البلدان النامية حيث بلغت 42% من عمالة الإناث في عام 2018، مقارنة بنسبة 20% من عمالة الذكور، دون وجود دلائل على تحسنها بحلول عام 2021. ونتيجة لذلك، ما زالت المرأة ممثلة تمثيلا زائدا في العمالة غير الرسمية في البلدان النامية، وبالنظر إلى النساء اللواتي يزاولن أعمالا تجارية، لاحظ مؤلفو الدراسة أنه على الصعيد العالمي كان عدد الرجال من أرباب العمل أربعة أضعاف مقارنة بالنساء في عام .2018.
وتنعكس هذه الثغرات بين الجنسين أيضا في المناصب الإدارية، حيث لا تزال المرأة تواجه حواجز في سوق العمل عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى تلك المناصب.
وفي ظل حالة عدم الاستقرار والأزمات وقيود المالية العامة والصراعات التي يشهدها العالم العربي والتي أدت إلى تراجع عدد الوظائف الجديدة، فإن البنك الدولي يدعم تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في سوق العمل، وفي هذا الصدد، يقول ساروج كومار جها، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي: "من الضروري أن نركز على ضمان أن تتمتع النساء بالفرص ذاتها التي يتمتع بها الرجال في الحصول على العمل، إن كن يرغبن في ذلك". ويتابع قوله: "وفي إطار إسهامنا في تهيئة بيئة أكثر ملاءمة، فإن أبحاثا مثل تقرير "حالة المرأة في بلدان المشرق" تزودنا ببيانات وشواهد مهمة لإثراء الحوار الدائر حول السياسات والاستجابات البرامجية في العراق والأردن ولبنان" .
من المرجح أن تحصل النساء الأفضل تعليماً والأصغر سناً وغير المتزوجات على فرص عمل، عند دراسة أنماط مشاركة النساء في القوى العاملة في البلدان الثلاثة، تبرز بعض المسائل: أن المستوى التعليمي يحظى بأهمية كبيرة، وكذلك الوضع العائلي والعمر ففي البلدان الثلاثة، ثلثا النساء الحاصلات على تعليم عالٍ يعملن بالفعل أو يبحثن عن عمل. وثمة تحوّل بين الأجيال في الأردن ولبنان حيث ترتفع معدلات المشاركة فيما بين النساء الأصغر سناً، كما أن الوضع العائلي للمرأة ذو تأثير: فعلى سبيل المثال، يظهر لبنان تراجعاً في معدل مشاركة المرأة بعد الزواج و المزيد من التراجع بعد الإنجاب ولا يختلف الحال كثيراً في الأردن حيث يقل احتمال مشاركة النساء المتزوجات اللائي لم ينجبن بنسبة 20 نقطة مئوية في سوق العمل مقارنة بغير المتزوجات.
تواجه النساء قيودا إضافية ومحددة في المنعطفات الحاسمة في حياتهن. تعتمد مشاركة المرأة في سوق العمل على دورها في المجتمع وفي أسرتها فيما يتعلق بالمعايير الاجتماعية، والقيود القانونية، وإخفاقات الأسواق. وتواجه النساء حواجز عند أربعة منعطفات حاسمة في حياتهن الاستعداد لدخول سوق العمل والاستمرار، خلال مرحلة "الاستعداد لدخول سوق العمل"، تحتاج النساء والفتيات إلى المهارات المناسبة للاستعداد للانتقال بنجاح من الدراسة إلى العمل.
وتبرز فجوة كبيرة بين الجنسين في هذا الصدد في العراق، حيث لا تتجاوز نسبة الفتيات اللائي يكملن تعليمهن الابتدائي سوى النصف بقليل، مقارنة بثلاثة أرباع الفتيان. ومن بين الأطفال في سن 13 عاماً، يواظب 80% من الفتيان على الذهاب إلى المدرسة، مقارنة بنسبة لا تتجاوز 40% من الفتيات، وخلال مرحلة "دخول سوق العمل والاستمرار فيه"، فإن النساء يواجهن حواجز قد تمنعهن من الدخول أو تؤدي إلى انسحابهن. ومن بين هذه الحواجز: القيود القانونية، والتوقعات الاجتماعية المقيّدة، والتمييز من جانب أرباب العمل، والتحرش في مكان العمل، والقيود في التنقّل. على سبيل المثال، تعرضت واحدة من بين كل ثلاث نساء في البلدان الثلاثة لتحرش لفظي في الأماكن العامة، وتعرضت واحدة من بين كل خمس نساء في العراق ولبنان وواحدة من كل 10 نساء في الأردن لتحرش جسدي..
ويبيّن التقرير أن هناك ارتباطاً واضحاً بين الوقت الذي تقضيه المرأة في الأعمال المنزلية واحتمال مشاركتها في القوى العاملة، يمكن لتطبيق سلسلة من الإجراءات المتعلقة بالسياسات أن يرفع الحواجز وأن يعزّز عمل المرأة.
تقرير "حالة المرأة في بلدان المشرق" في إطار برنامج تمكين المرأة في المشرق، وسوف تبحث التقارير اللاحقة بصورة وثيقة القيود التي تواجه مشاركة المرأة في القوى العاملة والتي ظهرت في هذا العدد الأول. ويقدِّم برنامج تمكين المرأة في المشرق المساعدة الفنية للعراق والأردن ولبنان لتعزبز البيئة الداعمة لمشاركة النساء في النشاط الاقتصادي، وزيادة الفرص الاقتصادية المتاحة لهن.
برنامج تمكين المرأة في المشرق هو مبادرة من البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية بالتعاون مع حكومتي كندا والنرويج . ويأتي تمويله بشكل أساسي من الصندوق الشامل للمساواة بين الجنسين مع مساهمات من حكومات أستراليا وكندا والدانمرك وفنلندا وألمانيا وآيسلندا ولاتفيا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا .
اضافةتعليق
التعليقات