إن التخلي عن الرذائل طريق إلى التحلي بالفضائل، والتحلي بالفضائل طريق إلى الإمدادات والفيوضات الإلهية.
قد يحمل الإنسان نفسه قسراً على تقمص الفضائل، لكنه في الوقت نفسه تجده قد احتوشته الرذائل، حتى لا تجد تلكم الفضائل لها مكاناً في القلب إلا لوقت محدود وسرعان ما تزول.
يقول علماء الأخلاق: إن على الإنسان أن يصلح نفسه أولاً باقتلاع جذور السيئات والرذائل المتعلقة بقلبه لتحل بعد ذلك محلها الحسنات والصالحات.
وهناك العديد من الأحاديث التي تشير إلى هذا المعنى إجمالاً؛ منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لولا أن الشياطين يحومون حول قلب ابن آدم، لنظر إلى الملكوت".
فمن كانت الشياطين تحوم حول قلبه لتغمره بالأمراض الروحية والمساوىء النفسية، يعجز عن النظر إلى ملكوت السماوات والأرض، وعن معرفة الحكمة، ولا يعي أهمية العقل والفضيلة، وبالتالي ينجر إلى حيث تسوقه شياطينه المحيطة بقلبه.
القلب أولاً
لكل شيء في الحياة آثار يدركها الإنسان إذا توفر شرط الإيمان وشرط العلم، فالنظر – مثلاً – إلى ملكوت السماوات والأرض، ليس بحاجة إلى معجزة ليتحقق، بل أمره متوقف على توفر جملة من العوامل، في مقدمتها إصلاح القلب.
ومثل الناظر إلى ملكوت السماوات والأرض مثل المهندس المعماري الذي يحدد عمر هذه البناية أو تلك من أول نظرة إليها، ومثل الطبيب الحاذق الذي يستطيع تشخيص المرض بمجرد أن يلقي نظرة على المريض..
إذاً فما حازه أولئك من علوم وفنون حتى صاروا يعرفون ضمن اطار تخصصهم، إنما حصل بفعل إعمالهم العقل والعناية، فهكذا الحال لمن يريد الوصول إلى معرفة الملكوت يجب عليه إعمال القلب وتهيئته للتوسم بآيات الله؛ قال سبحانه وتعالى: "إنّ في ذلك لآياتٍ للمتوسمين".
ومن هذا الحديث الشريف وأمثاله قال علماء النفس والأخلاق أن على الإنسان لكي ينظر إلى الملكوت أن يصلح قلبه أولاً، وذلك عبر انتزاع الرذائل منه، ثم بعد ذلك يحاول زرع الفضائل مكانها.
وهذا يلزم قلع جذور السوء من قلبه أولاً، فإن استطاع، فبمقدار ما استطاع وبنفس النسبة يكون تسديد الله سبحانه إليه وشمول رحمته له.
روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "إن من أحب عباد الله إليه، عبداً أعانه الله على نفسه، فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه".
آثار حزن القلب
إن استشعار الحزن يتبعه تجلبب الخوف واتخاذه لباساً، أي يكون الخوف بادياً عليه كله، فالمؤمن في حزن دائم.
وقوله عليه السلام "فزهر مصباح الهدى في قلبه"، فأصبح يرى بعين الله ما وراء الأشياء، فلا يؤخذ من حيث يجهل، فيتجنب بذلك كثيراً من المهاوي؛ فيكون قلبه نورانياً، لأن فيه مصباح الهدى.
إذ يضاعف الله من نعمه على الإنسان، فيقذف في قلبه نور العلم، فبدلاً عن الرذائل تكون المحاسن، وعوضاً عن الجهل تكون المعرفة، أي يتحول القلب إلى وعاء نوراني بفضل الله تعالى – بعد قيام إرادة الإنسان ونيته الصالحة –فتنبعث في داخل الفرد حالة من السكينة والاطمئنان، يتمكن بسببها من مواجهة الصعاب واقتحام العقبات.
فالحاجة ملحة إلى إصلاح القلب قبل إصلاح الجوارح، وليس الإصلاح بكثرة الصلاة والصيام رغم مطلوبيتهما، ولكن الإنسان مدعو إلى التركيز على اقتلاع جذور الفساد والاستعانة بأفضل العبادات. وقد أشارت الآيات والروايات إلى فضل التفكر في أمر الله على كل عبادة، فالإنسان إذا لم يهتم بإصلاح قلبه، لا تؤثر العبادات الظاهرية في حاله.
وسائل التطهير
للتطهير والإصلاح وسائل، منها: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، والذي يتأتى بالإرادة والممارسة. ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: "من أخلص لله أربعين صباحاً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه".
ويتلو الإخلاص لله تعالى مهمة الاستمرار في محاسبة النفس.
كما يعتبر التوكل على الله سبحانه وتعالى وطلب المعونة منه من وسائل الإمدادات الإلهية في تطهير القلب من الرذائل، وتعويضها بالفضائل.
اضافةتعليق
التعليقات