كان من أسباب التفاف الناس حول الإسلام: المواظبة الشديدة لدى المسلمين على محاسبة النفس والرقابة النفسية، فقد التزم المسلمون بهذه الصفة الحميدة (محاسبة النفس)، لأن دينهم دعاهم إلى ذلك، فالمسلمون كانوا نموذجاً في أمانتهم وصدقهم وصحة عملهم وإتقانهم وفي كل سلوكهم، ولذا التف الناس حولهم، إذ الإنسان يحب بفطرته أن يتعامل بثقة وصدق وأمانة و.. مع أولاده و زوجته وأبويه وعمّاله وشريكه وحاكمه وعالمه وجاره وصديقه.
لكنّ افتقاد كثير من المسلمين لهذه الثقة وتلك الأمانة أدى إلى نفور الناس من الإسلام وابتعادهم عن مذهبه.
إنّ الثقة والأمانة والصدق و.. لا تتوفر عبر القانون، ذلك لأن القانون ظاهري فقط، والشرطة إنما تحمي الظاهر من الأمر، أمّا الباطن فالأمر بحاجة إلى رقابة نفسية يقظة، وهي لا تحصل إلا بالإيمان بالله السميع البصير، العليم بسرائر خلقه وما تخفي الصدور.
أمّا اليوم فقد انسلخ المسلمون على الأغلب من محاسن الصفات ومكارم الأخلاق، ولم يراعوا حتى التظاهر به، وقد أخذ الغرب ببعضه، ولذا ابتعد الناس عن المسلمين والتفوا حول الغرب، فإنك ترى في الغرب الإتقان في العمل والاستشارة في الأمور والانضباط والنظام والنظافة والصحة، ومع أنها ليست كاملة ولكنها متوفرة إلى حد ما.
وهذه الأمور ولدت فيهم بسبب المنافسة والمراقبة والأحزاب الحرّة والنقابات ووسائل الأعلام –لا من جهة الخوف من الله سبحانه وتعالى-.
وقد كنّا نقرأ في أوائل بعض الكتب الدراسية حديثاً شريفاً يقول: "أول العلم معرفة الجبّار وآخر العلم تفويض الأمر إليه"، فإنّ العلم النافع، متوقف على معرفته سبحانه، والمعرفة الكاملة تستدعي تفويض الأمر إليه تعالى، إذ الإنسان ليس إلا جرماً صغيراً في هذا النظام الكوني الهائل، الذي لا يعرف أوله ولا آخره، ولا طوله ولا عرضه، ولا عمقه، ولا شيء من خصوصياته الذاتية والعرضية إطلاقاً، وإنما يكون الإنسان بالنسبة إليه كما قال سبحانه: "يعلمون ظاهراً من الحياة والدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون" فالإنسان يعرف الظاهر من الأشياء فقط، وعن الدنيا فقط.
إنّ الفرد منّا يفوض أمره ويولي زمامه في عملياته الجراحيّة، وفي تنقله من مكان إلى آخر إلى الطبيب والطيار، فكيف بأمور حياته المصيرية التي ترتبط بسعادته وشقاوته في هذه الدنيا وفي الدار الآخرة، وهو لا يعلم منها شيئاً، والعالم بها هو الله تعالى وحده الذي بيده ملكوت كل شيء، ومن المعلوم أن الذي يفوض أمره إلى الله تعالى خالق الكون ومدبره، يهديه الله تعالى إلى ما فيه صلاحه وخيره.
وعليه فقوله تعالى: "فوقاه الله سيئات ما مكروا"، إشارة إلى مصداق من مصاديق أول الآية: "وأفوض أمري إلى الله إن الله بصيرٌ بالعباد"، وإلا فإنّ الله سبحانه يحفظ الإنسان – دون شعور أو إحساس منه في أكثر الأحيان – من الغرق والحرق والخسف والهدم والسقوط، ومختلف الأمراض والأوبئة والكوارث، وغيرها.
وعلى أي حال: فإن كثيراً من المسلمين انفضوا عن تلك المعاني السامية، لأن خوف الله سبحانه لم يتجذر أو يتوفر فيهم، كما توفر وتجذر في المسلمين الأوائل.
هذا مع قطع النظر عن انقطاع الألطاف الإلهية الخاصة عنهم، حيث إن هناك تجارة بين الإنسان وبين ربه سبحانه وتعالى، قال تعالى: "تجارةً لن تبور".
ومن الواضح أن للعاقل فضلاً على المؤمن الجاهل، إنّ كل شيء – حسب الأدلة العقلية والنقلية – بيد الله سبحانه، وإنه على كل شيء قدير.
والإنسان مهما حلّق نحو الأقمار أو غاص في أعماق البحار، فإنه عاجز عن منح الحياة والروح حتى لذبابة واحدة، فكيف له بتوفير الحياة السعيدة، والعيش الهنيء والعزة والمنعة لنفسه، من دون الاستمداد من الله تعالى وطلب العون منه؟ قال تعالى "لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له".
قال الإمام الصادق عليه السلام: "في قوله تعالى (ولمن خاف مقام ربّه جنتان): من علم أنّ الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى".
من كتاب (لماذا تأخر المسلمون؟) لسماحة المرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي.
اضافةتعليق
التعليقات