المعروف ان الفكر هو التحرك الى المراد الذهني، او المحصلة العقلية، وهو سبيل الحكم على الشيء. فالحواس تمنحك الشعور بوجود المحسوسات، ولكن الشعور بالمحسوسات دون سابق علم لا يعطيك حكماً صحيحاً عليها، فأول ما يحدث بعد الإحساس بشيء ما، هو تمييزه فطرياً من حيث جماله وقبحه وخطره او امانه، وهل يؤكل او لا؟، فإن كانت هناك معلومات سابقة عن هذا الواقع المحسوس فإن العملية الفكرية تحدث وينتج إدراك الشيء ومعرفة ما هو، وبذلك نتجاوز حد الإحساس والتمييز الفطري.
فإذا حاولنا التفكير مع عدم الواقع المحسوس، ومع انعدام المعلومات السابقة، فهذه العملية لا تتعدى الظن والتخيلات، ولا نتحصل على شيء سوى الشك والظلال، فالفكر هو نقل الواقع عن طريق الحواس، الى الدماغ، مقترناً بمعلومات سابقة تعين على تفسير هذا الواقع وادراكه.. وهذا هو عمل المفكرين الذين ينتجون الفكر المبدع والخلاق، ثم يتم نقل الفكر الى الاخرين ويعبرون عنه باصطلاحات اللغة، والفكر المنقول للآخرين ينظر فيه، فإن طابق الواقع وتصوره المتلقي كما نقل إليه وصدقه وسلّم به، فهو في هذه الحالة قد ادركه، واصبح هذا الفكر مفهوماً من مفاهيمه كما لو نتج هذا الفكر عنه شخصياً.
وان لم يكن لهذا الفكر واقع عند المتلقي، بل فهمه بالجملة، واستوعب المراد دون ان يتكون له واقع في ذهنه لا شعوراً ولا تصديقاً ولا تسليماً، كان ذلك الفكر عنده مجرد معلومات ومعارف عن أشياء، ولذلك لا تؤثر المعلومات ومعارف عن أشياء ولذلك لا تؤثر المعلومات في الأشخاص، وإنما تؤثر فيهم المفاهيم، لما لها من واقع محسوس في ذهن من ادركها.
وبهذا يمكننا الإجابة عن سبب تأثير الإسلام في المسلمين بدرجات متفاوتة، فمن وجد في نفسه واقعاً محسوساً للإسلام وتعاليمه وشعر بذلك وصدقه وسلم به، ترك فيه ذلك الأثر الطيب في كيانه واقواله وافعاله، ومن تلقى الإسلام وراثة، ومجرد معلومات، هو لا شك مسلم، ولكنه اقل تأثراً بالإسلام وتعاليمه السابقة.
ولعلك تلمس معي لماذا اختار الله تعالى لفظ "الشهادة" عندما يقول الداخل في الإسلام "اشهد ان لا اله الاّ الله واشهد ان محمداً عبده ورسوله" فلفظ الشهادة يعني الشهود، وأنك وجدت واقعاً تحس به وتصدقه وتسلم به وتتأثر به في كيانك واقوالك وسلوكياتك.
اضافةتعليق
التعليقات