نؤجِّل الخير، وكأننا ضامنون للغد، نعيش في وهم "يوماً ما" الذي لن يأتي أبداً. نسمع آيات القرآن، فترتجف قلوبنا، ثم نعود لحياتنا وكأن شيئاً لم يكن. نرى شخصاً استقام، فنطمئن أنفسنا بأننا سنسير على خطاه لاحقاً، لكن ذلك اليوم قد لا يأتي أبداً. نسمع عن الموت وكأنه خبر عابر، ونقول: "ما زال أمامي وقت"، متناسين أن الموت لا ينتظر قراراتنا المؤجَّلة.
الحقيقة المُرَّة أن "يوماً ما" مجرَّدُ وهمٍ يقتل العزم، ويُبقينا عالقين بين ما نحن عليه وما نحلم أن نكونه. كم من أملٍ دفنَّاه تحت هذه الكلمة، وكم من تغييرٍ ضاع لأننا ظننا أن لدينا وقتاً لاحقاً! الفرص لا تنتظر، والأيام تمضي بلا رجعة. قال الله تعالى:
"حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ، لَعَلِّيٓ أَعْمَلُ صَـٰلِحًۭا فِيمَا تَرَكْتُ، كَلَّآ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ" (المؤمنون: 99-100).
نعيش وكأن العمر وعودٌ مضمونة، لكن الحقيقة أن كل لحظة قد تكون الأخيرة. تأجيل التوبة والصلاة وفعل الخير مغامرة محفوفة بالمخاطر، ليس لأن الله لا يمنحنا الفرص، بل لأننا لا نعلم متى ستنتهي فرصنا. كل يوم هو فرصة للبدء من جديد، والفرق بين الناجحين والمتخاذلين أن الناجح لا ينتظر "يوماً ما"، بل يصنع يومه بنفسه. قال تعالى:
"وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران: 133).
كم من شخصٍ أدرك متأخراً أنه أضاع عمره في الانتظار؟ وكم من فرصةٍ مرّت أمامنا، لكننا لم نغتنمها لأننا كنا نظن أن هناك متسعاً من الوقت؟ هناك من أجَّل عمل الخير حتى فاجأه المرض، وهناك من انتظر حتى ضاعت الفرصة نهائياً. إن التسويف ليس مجرد تأخير، بل هو باب يُغلق أمامنا دون أن نشعر.
الحياة لا تنتظر من يخشى البدايات، ولا تنتظر أن تصبح الظروف مثالية، فقد لا تصبح كذلك أبداً. البداية الحقيقية تأتي عندما نقرِّر التغيير، مهما كانت الخطوة صغيرة. فكل إنجازٍ عظيمٍ بدأ بخطوة بسيطة، وكل شخصٍ ناجحٍ كان في يوم من الأيام متردداً، لكنه اختار المحاولة بدلاً من التراجع.
ابدأ اليوم، ولو بأبسط الأمور، فحتى النهر العظيم بدأ بقطراتٍ صغيرة. اجعل كل لحظةٍ فرصةً للنمو، ولا تدع حياتك تضيع في سراب التسويف. لا تؤجِّل الخير، لا تؤجِّل الحُلم، لا تؤجِّل التغيير. الحياة تمضي، والأمل دائماً موجودٌ لمن قرَّر أن يمضي قُدُماً.
اضافةتعليق
التعليقات